أعتقد أننا لن نصل إلى غاية الحياة إلاّ إذا ألفنا اختلافنا! بمعنى أننا لا بد أن نتآلف مع حقيقة أننا كبشر مختلفون بعضنا عن بعض في كثير من السلوكيات والأفكار والمعتقدات والصفات وسمّ ما شئت من أنواع الاختلاف الأخرى، ولكي ندرك غاية الحياة لا بد لنا كشرط أساسي أن نتعامل مع اختلافاتنا كحقيقة واقعية لا يمكن لنا أن نغيّرها ولا ينبغي لنا أن نحاول،لأن المحاولة في هذا الإطار ضرب من العبث الذي لن يجعلنا ننعم بوجودنا في الحياة.

Ad

نحن خلقنا «شعوباً وقبائل» كل يختلف أحدنا عن الآخر، أما الهدف من خلقنا كذلك فهو «لتعارفوا»، كما قال تعالى، ونحن لن نستطيع أن نعرف شيئاً إلا عن طريق تآلفنا مع ما يختلف عنّا فيه، نحن مثلاً لا نعرف عن الجنّ مثلاً شيئاً مؤكداً، المعرفة مفتاح اليقين، ونحن ليس لدينا معرفة يقينية تتعلق بعالم الجن لأننا لا نستطيع أن نأْلَف اختلافهم عنّا، لعدم وجود تواصل واتصال طبيعي بيننا وبينهم يمكننا من ائتلاف اختلافهم وبالتالي معرفتهم.

إن من يجهل منا كيف يأتلِف مع المختلف من الناس غيره فهذا يعني أنه: لا يعرف لماذا عليه أن يعيش الناس بسلام على هذا الكوكب المسمى بالأرض!

ولا يعنيه كثيرا أن يهنأ إنسان في هذه الحياة برعاية إنسانية تليق بإنسانيته، وهو قطعاً لن تزعجه حيادية مشاعره عند رؤية غيره يلعق من على الأرض ما لم يتبق من إنسانيته، وليس ما تبقى منها لأنه أصلاً لم يتبق منها شيء...!

وهو أيضاً لا يعي بأن كرامته البشرية لا يمكن أن تكون إلاّ إذا حفظ كرامة غيره، ولا يعي قطعاً قوله عز وجلّ: «ولقد كرّمنا بني آدم» وإلاّ فكيف يتجرأ على إهانة من «كرمّه» الله بجلاله، أو يرضى بها؟!

آلام الآخر، معاناته، وجع قلبه، آهة الآخر السوداء كرغيفٍ نُسي في الفرن، كل هذه الصور وهذه الحكايات العاريات التي لم تجد ما تستر به عورتها، أنا على يقين بأنها لن تومض برقا في قلب ذلك الذي يجهل ضرورة التآلف مع المختلف، ولن تجعله يرى!

وهو بدون شك لن يهتدي إلى طريق الغاية من الحياة، أو اكتشافه!

ولطالما سألت نفسي كلما أنصَت الى شخص متطرف أو متعصب بأي شكل من الأشكال هذا السؤال: كم يلزم المرء غباء ليسلّم مِقوَد حياته لفكرٍ لا يدرك الغاية من الحياة!

أخطأ منظرونا ومفكرونا والمخلصون من المصلحين حين وصفوا علة مجتمعاتنا ترجع لكونها مجتمعات تفتقد ثقافة الاختلاف، أكاد أجزم أن العلة تكمن في افتقادنا ثقافة الائتلاف!