لا توجد خارطة طريق
تشتد هذه الأيام معارك فكر وقلم شديدة لدى الكتاب الغربيين عن موقف الرئيس أوباما حول المأساة السورية، والانقلاب العسكري المصري (أو ثورة ٣٠ يونيو كما يصنفها ليبراليو الوهم). هذه المعارك الصحافية الفكرية لا تحدد مواقعها باليمين واليسار، أو بين المحافظين الجدد أو "نيوليبرال واليساريين الليبراليين كما قد يتصور، بل هي مرتبطة تحديداً بموقف الرئيس الأميركي وسياساته الشرق أوسطية، ولهذه المعارك صورتها الأخرى متمثلة في مواقف أعضاء الكونغرس الأميركي المتباينة بين الناقد "لسلبية" الإدارة الأميركية بعدم معاقبة النظام السوري، أو الثناء على حكمة هذه الإدارة حين تجنبت تكرار المأزقين العراقي والأفغاني، فمثلاً لم يتردد كاتب مثل "نيكولاس كريستوف" الذي يعد بصفة عامة، وكما أتابعه، قريباً لليسار والمواقف الإنسانية وقضايا التحرير العربية في "نيويورك تايمز" في الانحياز إلى ضرورة ضرب النظام السوري بحجة "التدخل الإنساني"، فعند هذا الكاتب مثلما هناك عقدة العراق وأفغانستان هناك ما يقابلهما كان فيها تدخل "نيتو" عامل حسم لإنهاء معاناة بشر في سيراليون وساحل العاج وكوسوفو والبوسنة. وبمثل فكر هذا الكاتب تتكرر نماذج عديدة متباينة عند أصحاب الرأي. لم يتردد نائب تحرير صفحة الرأي في "واشنغتون بوست" جاكسون ديل في نقد الرئيس الأميركي، وأنه ابتدع عقيدة اللاتدخل واللاكتراث الأميركية حين عارض إنفاق بعض رأسماله السياسي في أزمات الشرق الأوسط (تعبير ديل)، فهذا الرئيس وقف حائراً متردداً في انقلاب مصر، ولم يحسم مسألة المساعدات الأميركية للنظام المصري الجديد، الذي ضرب المتظاهرين السلميين في رابعة العدوية، وألقى المعارضة الإخوانية بالسجون بعدما اختلق لها التهم المعلبة مثل الإخلال بالأمن الاجتماعي وغيرها من جرائم تضج بها تشريعات القهر العروبية، والآن أعلن الأحكام العرفية ليعود بمصر إلى أسوأ من أيام مبارك وليلتهم "الثور الأسود" الليبرالي الذي شجع بكل غباء الانقلاب العسكري (العبارات الأخيرة من عندي وليست من جاكسون).
إذن قلب أوباما الوضع، من عقائد التدخل والمحافظة على السطوة الأميركية في العالم من عقيدة مونرو، ثم تي دي روزفلت ثم ترومان... وتطور تلك العقائد السياسية فيما بعد إلى عقيدة ريغان لاحتواء الاتحاد السوفياتي، إلى اليوم في سياسة أوباما التي تريد أن تسير تحت الظلال الآمنة. مثل هذه السياسة لن تنتهي بالأمن المطلوب مهما كانت مبررات الإدارة الأميركية، فإذا كان هدف تلك السياسة الناعمة غلق صندوق بندورا الجهادي في سورية، فهناك من يرى العكس تماماً، فسلبية الموقف الأميركي وعدم دعم المعارضة المعتدلة فتح أبواب رفاق القاعدة لجبهة النصرة وجيش العراق والشام في سورية، ويمكن أن نقيس على ما سبق أن موقف الإدارة الأميركية المهادن للنظام العسكري المصري سيعود لفتح أبواب العمل الجهادي الإرهابي من جديد في مصر، وسيدفع المضطهدين إلى التطرف في معارضتهم للنظام الحاكم. أين تذهب دولنا العربية اليوم! حروب قبلية مرعبة بقناعيها الديني والطائفي تشتعل في المنطقة من سورية إلى لبنان والعراق وستمتد قريباً إلينا... مما يغذي، بالجهة المقابلة، بقاء الأنظمة المستبدة في المنطقة على حالها واستمرار قوتها حين تحيا ويمتد بها العمر مرتوية من أسن مستنقع القلق الوجودي والخوف من المستقبل عند شعوبها... فهل نقول لا عزاء لثكلى الربيع العربي، أم نقول إننا مازلنا في بداية مشوار طويل للنكبات والنهوض... لننتظر.