بعد سنوات من إهمال السياسيين والإعلام على السواء، انتقلت أخيراً الحرب في أفغانستان إلى الواجهة خلال الأسبوع الماضي مع التركيز عليها بشكل كبير، وتسليط الضوء على حيثيات هذه الحرب وانعكاساتها.
في المؤتمر الرئاسي الأسبوعي الذي يعقده الرئيس في البيت الأبيض كل ثلاثاء انهال الصحافيون بأسئلتهم الناقدة على أوباما فيما كان يهم بمغادرة المنبر، وقد ذكر رئيس مجلس النواب جو باينر الأمر في مؤتمره الصحافي الخاص واصفاً تجاهل الإدارة الأميركية للحرب في أفغانستان بالمخزي، وحذا رئيس الأغلبية في مجلس الشيوخ هاري ريد حذوه متحدثاً عن عائلات الجنود الضحايا واصفاً واقعهم الأليم بالمعيب والمحرج.وقد انضم إليهما كذلك السيناتور جون ماكين الذي عبر بصوت عال عن مدى خجله من طريقة التعامل مع هذا الموضوع، وفي هذا الوقت تغص وكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية أسبوعياً بصور وأخبار عن جنود يعودون محملين في نعوشهم وتحتل عبارات الاستياء والامتعاض من أداء الإدارة السياسية الصفحات كافة.ليست المناسبة هنا الذكرى الثانية عشرة لاجتياح أفغانستان، فقد مرت هذه الذكرى مرور الكرام ومن دون جلبةٍ تذكر، ولكن الحرب هذه تحولت في ظل دراما "الإغلاق" والشلل الحكومي الحالية إلى قضية بالغة الاهمية، فبما أن الحكومة مقفلة، ولا تقوم بمهامها، فإن عائلات الجنود ضحايا حرب أفغانستان لا تتلقى مدفوعات التعويض الشهري، ولا يدفع البنتاغون ثمن رحلتهم الى "دوفر" لاستلام جثث أولادهم العائدين من رحلة الموت، إنه بالفعل من المعيب أن تضطر عائلات الضحايا إلى تحمل هذا العبء من الضغط النفسي الذي يضاف الى معاناة خسارة حبيب أو قريب على أرض المعركة. ولعل أكثر ما يثير السخط هو ألا أحد في واشنطن أو في الإعلام يبدو مهتما بالموضوع أو يوليه الأهمية المطلوبة. والحرب في أفغانستان دخلت اليوم مرحلة قاسية، ففي السنوات الثماني من ولاية الرئيس بوش قتل 630 جنديا في أفغانستان، ولكن في أقل من خمس سنوات من حكم أوباما قتل 1655 جنديا أميركيا. وقد تجاوزت أرقام الوفيات المعدلات السنوية المسجلة سابقا بأشواط ونشرت "الناشيونال" أرقاما مذهلة حول ارتفاع الوفيات لدى الطرفين العسكري الاميركي والأفغاني المدني في الشهر الأخير.وقابل هذا الارتفاع في أعداد الضحايا، اتجاه معاكس للإعلام، فمسألة الحرب في أفغانستان كانت من التابوهات، حتى في عام 2010 وهو العام الذي سجلت فيه أعلى نسبة للضحايا الاميركيين على أرض المعركة، لم يخصص الإعلام إلا 4% من فضائه أو مساحاته لمتابعة الخبر، وذلك وفق الهيئات الرسمية المتابعة للأداء الصحافي."لم تكن حرب أفغانستان يوما، القضية الأولى التي تشكل الحدث في الإعلام الاميركي" يعلق مارك جوركوفيتس للتايمز وهو رئيس مركز متابع الاداء الاعلامي، ولم تتم مناقشة فعلية في الكونغرس حول قرار أوباما زيادة عدد الجنود المرسلين الى أفغانستان في عام 2009، مع انقسام حاد بين الديمقراطيين الداعمين لهذا المشروع والجمهوريين الذين رفضوا أن يلعبوا في هذا الموضوع ورقة الخنوع المعتدل.لم تتم مناقشة مسار الحرب منذ ذاك التاريخ مع أن الجنود استمروا في التدفق نحو أفغانستان، ولم تكن حرب أفغانستان نقطة جوهرية في الحملة الانتخابية الرئاسية بل كانت مسألة غائبة، ومن الصعب حتى أن نجد أي خطاب في أرشيف السياسيين الذين يصرخون اليوم معبرين عن استيائهم وسخطهم، يناقش مسار الحرب على امتداد السنوات المنصرمة. أما اليوم ومع مئات النعوش التي تصل من أرض المعركة مغطاة بالعلم الأميركي، ومع ما يشكله هذا الموضوع من مادة دسمة لتسجيل نقاطٍ سياسية تصب في خانة هذا الفريق أو ذاك، باتت المسألة تستحق الاهتمام وانتقلت بالتالي الى الواجهة مجدداً، ولا شك أن الشاشات الإعلامية ووكالات الأنباء تلهث وراء العائلات الخمس للضحايا العسكريين الأميركيين الذين سقطوا خلال الأسبوع المنصرم لتنشر قصصا حول خسارتهم لتعويضات الوفاة بشكل موقت.وإليكم سؤالاً آخر: أنفضل جميعا أن تطرح على بساط البحث مسألة استئناف دفع التعويضات لعائلات العسكريين أو عدمه أم أننا نفضل فعلا طرح سؤال الجوهري بالغ الأهمية وهو السبب الذي يحتم موت جندي في حربٍ كهذه أساسا؟George Zornick
مقالات
أخيراً... واشنطن تولي أهمية لأفغانستان!
20-10-2013