«ستظل إسهامات الوشاحي علامات مضيئة وبارزة في تاريخ فن النحت المصري ومسيرته»، برأي د. صلاح المليجي، رئيس قطاع الفنون التشكيلية المصرية، مؤكداً أن «الحركة التشكيلية والعالمية، فقدت أحد ألمع رجالها الأفذاذ المبدعين في مجال النحت، وأحد أهم النحاتين على مستوى العالم، إذ ورد اسمه في موسوعة «كامبريدج» البريطانية كأحسن نحات دولي لعام 2001، ونال الجوائز عدة منها جائزة الدولة التقديرية 2012، وله أعمال في متاحف العالم».
بدأت رحلة الوشاحي مع النحت في سن مبكرة، فقد ولد في إحدى القرى في محافظة الدقهلية المصرية عام 1936، وارتحل الصبي إلى فضاء التشكيل عبر ألعاب الصلصال، وتفتحت موهبته على براءة العالم وتأملات طفولية للبشر وعناصر الطبيعة.انطلقت موهبة الوشاحي من عالم القرية واكتشاف الجمال في أسراب الطيور وحركة البشر، ومساحة التخيل الجامح، والرغبة في التعبير عن الذات من خلال دراسة الفن التشكيلي، ليصبح النحت غاية إبداعية، وإحدى درجات الفرح بالوجود.ما بعد الحداثةحصل الوشاحي على بكالوريوس في كلية الفنون الجميلة في القاهرة قسم النحت (1963)، وبدت المسافة شديدة الثراء بين تمثال دنشواي (مشروع تخرجه) والنحت على خامة النحاس، وطموحات فنان أصيل ومغامر في تجاوز ما أنجزه الأسلاف.سافر الوشاحي في بعثة فنية إلى إسبانيا (1965) وبقي 13 عاماً استكمل فيها دراساته العليا وتعرف إلى تيارات التحديث في فن النحت، ونال درجة الأستاذية في أكاديمية سان فرناندو للفنون الجميلة بمدريد (1978).توزعت حياة الوشاحي بين عمله الأكاديمي كأستاذ للنحت في كلية الفنون الجميلة في القاهرة وإبداعه الفني والمشاركة في فعاليات تشكيلية مصرية ودولية، وبين إسهاماته الرفيعة في تعليم أجيال من الفنانين الموهوبين.اعتبر النقاد إبداع الوشاحي بأنه الموجة الثانية بعد رواد النحت مثل محمود مختار، وصنفت أعماله في مدرسة «ما بعد الحداثة»، وتمردها على الارتكازات التقليدية للتماثيل، وميلها إلى التعبير عن شحنات انفعالية، وتوق الإنسان إلى الحرية والانعتاق من هموم الواقع إلى عالم أفضل.تمحورت الفلسفة الإبداعية للوشاحي حول التعامل مع خامة النحاس، وتشكيل منحوتاته بدلالتها الرحبة، والتعبير عن طاقة الجسد واختلاجاته الموحية بالفرح والحزن، والحركة المترنحة، ليترك بصمته المتفردة بالمزج بين الأصالة والمعاصرة.اعتبر الوشاحي أن النحت يختلف عن الفنون الأخرى، وأن مكانه الطبيعي الميادين والقاعات المفتوحة، لتحقيق تفاعل وجداني من خلال رؤية المنحوتات وتأملها وتأثيرها في المتلقي، ومنحه رحابة التأويل، واكتشاف الأبعاد الجمالية لفن النحت.رفض أن يصبح النحت محاكاة للواقع، بل إبداع مواز عبر تأثرات الفنان الوجدانية والذهنية، وجدل الحواس مع العالم الخارجي، ورؤية تتوق إلى التمرد على التقليد، وتحرير التمثال من نقطة ارتكازه الكلاسيكية، والجموح نحو اكتشاف الطاقات الإنسانية الكامنة. تجسدت أعمال الوشاحي من خلال قناعات فكرية، ورؤية للمزج بين خصوصية البيئة ورحابة الفضاء الإنساني، ليترك للملتقي حرية التأويل للقطعة النحتية أو التمثال، واكتشاف أسرار الإبداع على خامة النحاس، والجمال المنفلت من تموجات الحركة الراقصة أو الراغبة في التحليق إلى الأعالي.معارض وجوائزشارك الفنان عبد الهادي الوشاحي في معارض جماعية، منها: «المعرض العام للفنون التشكيلية» في دورته الـ 21 (1990)، معرض «بورتريه النحت» في مركز الإبداع في الإسكندرية (2009)، وآخرها تكريمه في صالون القاهرة الـ 56 (مارس 2013).كذلك شارك في معارض جماعية دولية، منها: «بينالي البندقية الدولي» (1980)، «معرض ومؤتمر النحت الدولي» – أوكلاند – سان فرانسيسكو – الولايات المتحدة الأميركية (1983)، وسمبوزيوم أسوان الدولي الثالث (2008).للوشاحي أعمال في أماكن عامة، أبرزها: تمثال الدكتور طه حسين، النصب التذكاري للفلاح (فلنسيا – إسبانيا)، وفي نادي الاتحاد الإسباني لكرة القدم – ريال مدريد، وفي أوبرا القاهرة.أُدرج اسم عبدالهادي الوشاحي في الموسوعة القومية للشخصيات المصرية البارزة (إصدار الهيئة المصرية للاستعلامات)، وموسوعة أعلام محافظة الدقهلية المصرية (1997).حصل على جوائز محلية، منها: الجائزة الأولى للنحت في صالون القاهرة (1961)، وجائزة الدولة التشجيعية في النحت (1981)، والتقديرية في الفنون (2013).نال الوشاحي جوائز دولية منها: الميدالية الذهبية في النحت في المعرض القومي للفنون (تشيزنيا – إيطاليا 1972)، وجائزة «بينالي الرياضة الدولي» (برشلونة – إسبانيا 1975).
توابل - ثقافات
عبدالهادي الوشاحي... سفير النحت العربي
02-09-2013