الكراهية، الحسد، الغيرة... هذه المشاعر ما استوطنت قلباً قط إلاّ وعملت على هدمه من الداخل، وجعلت منه وجعاً لا يُشفى. أسوأ ما في هذه المشاعر أن أذاها وشرّها يفتك بحاملها أكثر مما تفعل بالشخص الموجهة ضدّه.

Ad

يحمل المرء هذه المشاعر أو بعضها، وتظل تؤسس في صدره مملكة الظلام رويداً رويدا، دون حتى أن يشعر حاملها بذلك، وتظل تعمل ليل نهار على مهل ببناء أسوار تلك المملكة وقلاعها، وتزرع حدائقها الشريرة شجرة شجرة حتى تغدو غابة بعد حين من الزمن، وتحفر طرقاً لجداول ماء النار في أرجاء تلك الغابة، وتبني بيوتاً لا تصلح للسكنى سوى للشياطين التي تستقدمهم من كل مكان ليستوطنوا في هذه المملكة ويديروا شؤونها ويرعوا مصالحها ويؤسسوا فيها دستور الظلمة الحالكة ليبقى نهجاً يشرعن اللهب الأحمر والماء الآسن.

وقد يظن المرء حامل السوء أن هذه المملكة التي تمتد أطرافها وتتسع في داخله هي فعلا في صالح مشاعره السيئة تجاه الآخر، فيراقب توسعها فرحاً مبتهجاً، ويشعر أنه يشفي غليله أكثر ضد ذلك الآخر، وهو لا يعلم أن تلك المملكة إنما تتسع على حساب مشاعره المنيرة، فالبقدر التي تتسع فيه إنما تأخذ ذات القدر من تلك المشاعر، إلى أن يحكم السواد داخله كله فلا يبقي من النور شيئا في صدره ولا يذر.

ولن يستطيع في قادم الأيام التخلص من هذه المملكة التي احتلته من أدناه حتى أقصاه، وتمكنت من كل خلية فيه، وانتشرت كالسرطان في روحه، سيجد نفسه بعد فوات الأوان وقد أصبح سجينا في هذه المملكة الموحشة الشيطانية، ولن يقوى على الهرب من براثن شرها، أو النفاذ بجلده منها، ستصبح هذه المشاعر حملاً ثقيلا يوهن كتفيه، ويهد روحه، وبدلا من أن تكون رصاصة موجهة إلى شخص آخر، تصبح ديناميتا في حقل قلبه هو.

إن هذه المشاعر فتاكة وماكرة وقاتلة، تشوّه عمر حاملها، لأنها تفسد عليه متعة الحياة، إذ أن حياته لا تعود ملكه، وإنما هي مرهونة فقط بذلك الشخص الموجهة ضده، فلا يعود حاملها قادرا على رؤية أي متعة تضعها الحياة بين راحتيه، وإنما عيناه دائما موجهتان إلى ما تضعه الحياة من مباهج في كف الآخر حتى وإن كانت أقل من تلك التي بين يديه، لتشتعل تلك المشاعر أكثر، ويعلو نارها، ويجن سعيرها، ويطفو الظلام بزبد السواد بين جوانحه.

إنها مشاعر تجعل العمر قصيراً وشحيحا بالمسرات، تحصد عشب اللحظات السعيدة قبل أن يبلله الندى، تغتال الشمس قبل أن تصحو من مخدعها، تسرق السحائب قبل أن تتشكل في سماء القلب، تحرق السهول الخضراء، تدق المسامير في أجنحة الفراشات،

تكبّل هديل الحمام بالحديد، تضع العصافير تحت الإقامة الجبرية، وتفرض حظر التجول على الفرح.

الكراهية والحسد والغيرة لا يمكن أن تسكن قلباً فيعمُر، إنها ركائز مملكة الظلام التي تصادر أعمارنا، وتبيعها للريح.