«تاريخ الحرب البلقانية» للكاتب توفيق طنوس... دروس الهزيمة العثمانية

نشر في 17-02-2013 | 00:01
آخر تحديث 17-02-2013 | 00:01
No Image Caption
صدر أخيراً عن دار «جداول» كتاب «تاريخ الحرب البلقانية 1912-1913» للكاتب توفيق طنوس. الكتاب من تقديم محمد الأرناؤوط وتعليقه، ويستعرض بموضوعية أسباب الحرب وتطوراتها، منتقداً بقوة «النفاق» الأوروبي تجاه الدولة العثمانية.
في تصديره «تاريخ الحرب البلقانية 1912-1913»، يعتبر الدكتور خالد إرن أن الاهتمام تزايد في السنوات الأخيرة بالدولة العثمانية التي كانت دولة مشتركة للشعوب المختلفة وامتدت من البوسنة إلى اليمن ومن الخليج إلى المغرب، وما زاد الاهتمام بالدولة العثمانية أخيراً حلول الذكرى المئوية لبعض الأحداث المهمة التي تركت بصماتها على الدولة العثمانية وأدت تداعياتها إلى سقوطها مثل الذكرى المئوية للحرب البلقانية التي تحل الآن.

اللافت في الكتاب، الذي أصدره توفيق طنوس في الاسكندرية عام 1913، أن مؤلفه لبناني ماروني يستعرض بموضوعية أسباب الحرب وتطوراتها، وينتقد بقوة «النفاق» الأوروبي تجاه الدولة العثمانية و{الروح الصليبية» في الصحافة الأوروبية، كذلك ينتقد السياسة المركزية لـ{جمعية الاتحاد والترقي» التي يحملها مسؤولية الإخفاق في الحرب الدائرة، ويصل أخيراً إلى ضرورة الإصلاح الإداري في الدولة العثمانية لإرساء علاقة أفضل بين العرب والأتراك.

يصدر الكتاب بمناسبة الذكرى المئوية لاندلاع حرب البلقان الأولى (8 أكتوبر 1912- 30 مايو 1913) التي شنتها دول التحالف البلقاني (صربيا والجبل الأسود وبلغاريا واليونان) على الدولة العثمانية لتنهي الوجود العثماني في أوروبا، والتي أدت بدورها إلى حرب البلقان الثانية (29 يونيو- 10 أغسطس 1913) التي اندلعت بعد اختلاف حلفاء الأمس على اقتسام المناطق الواسعة التي غنموها، والتي انضمت إليها لاحقاً رومانيا والدولة العثمانية، لتستعيد بعض ما فقدته في حرب البلقان الأولى.

زلزال كبير

يعتقد الأرناؤوط أن حرب البلقان الأولى كانت بمثابة الزلزال الكبير الذي ضرب بقوة الدولة العثمانية، وبقيت ارتداداته متواصلة في البلقان والشرق الأوسط حتى اغتيال ولي عهد النمسا والمجر في سراييفو عام 1914 على يد منظمة صربية قومية، ما أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى التي غيرت خارطة العالم السياسية لصالح المنتصرين في هذه الحرب. وفي ما يتعلق بالدولة العثمانية فقد جاءت حرب البلقان بعد سلسلة من الأحداث التي أعقبت إعلان الدستور (1908) وعزل السلطان عبد الحميد (1909)، وتتوجت بالعدوان الإيطالي على ولاية طرابلس الغرب في سبتمبر 1911 والثورة الألبانية في 1912 التي انتهت بسيطرة الثوار على عاصمة الولاية اسكوب في أغسطس 1912 وقبول اسطنبول منح الألبان نوعاً من الحكم الذاتي، وهذا ما كان له صداه في المشرق على الحركة العربية الجديدة. من هنا جاء اهتمام العرب، آنذاك سواء على مستوى الشارع أو على مستوى النخبة، بما يجري في البلقان نظراً إلى ما يعنيه ذلك بالنسبة إلى دولتهم (العثمانية) أو إلى ذاتهم كعرب ومسلمين، كذلك رأت القوى الكبرى في هذا الزلزال فرصة للتفكير في خرائط جديدة للمنطقة تحقق مصالحها.

هكذا بعد أقل من شهر من اندلاع حرب البلقان، أرسل والي بيروت تقريراً إلى اسطنبول يوضح فيه بروز ثلاثة تيارات سياسية في بلاد الشام: الأول يرغب في توحيد بيروت وجبل لبنان تحت وصاية فرنسية، والثاني يريد إلحاق سورية بمصر تحت رعاية بريطانية، والثالث عروبي يطالب بنوع من الحكم المحلي لقطع الطريق على التيارين السابقين. من هنا، لم يكن من المفاجئ أن تلجأ حكومة كامل باشا التي تولت الحكم في اسطنبول عوضاً عن الاتحاديين المؤيدين للنزعة المركزية إلى تشجيع الزعماء المحليين في الولايات العربية على وضع تصورهم للإصلاح، وعينت أدهم باشا والياً جديداً على بيروت. في هذا السياق، انتعشت الحركة العربية وتأسست الجمعية الإصلاحية، وبدا كأن حرب البلقان التي انتهت معاركها على الأرض آنذاك ورسمت خارطة جديدة للدولة العثمانية، أصبحت فيها الولايات العربية تشكل النسبة المئوية الكبرى من حيث المساحة والسكان والموارد الاقتصادية، ستفتح صفحة جديدة في العلاقات العربية العثمانية. ولكن الانقلاب العسكري الذي قام به الاتحاديون في اسطنبول في 23 يناير 1913، وأعادهم إلى السلطة وجه ضربة إلى الحركة الإصلاحية بعدما أعادت اسطنبول الوالي العثماني السابق حازم باشا ليطبق السياسة الاتحادية المركزية، فبدأ عهده بتعطيل صحيفتين وإغلاق «الجمعية الإصلاحية» التي كانت تمثل النزعة الجديدة المتنامية لدى النخبة العربية: اللامركزية.

الشرق المظلوم

في مقدمة الكتاب، تبدو النزعة الشرقية واضحة لدى طنوس، حيث ينطلق من أن «بين الشرق والغرب بغض قديم، رضعه الغربيون مع اللبان، وشب عليه الشرقيون منذ الفطام»، ويعتبر أن «الشرق مظلوم» من الطرفين: ظلم الغرب و{ظلم الشرق بظلم حكامه»، ولذلك «ساد الغرب بارتقاء أحكامه». ويبدو لنا أهم ما في الكتاب يكمن في نهاية المقدمة التي أراد فيها المؤلف أن يستخلص الدروس من الهزيمة التي لحقت بالدولة العثمانية وتأثير ذلك على واقع الدولة ومستقبلها من وجهة نظر كاتب شامي مسيحي مخلص للدولة العثمانية، ولكن ليس بأي شكل تكون عليه. فقد كانت الدولة العثمانية دولة متعددة اللغات والشعوب حتى اندلاع الحرب البلقانية، حيث كانت تتألف جغرافياً من ولايات البلقان والأناضول والولايات العربية، بينما تحولت بعد الحرب البلقانية إلى دولة تمتد من الأناضول إلى الحجاز وتجمع الأتراك والعرب أساساً. من هنا فقد أصبح لرأي العرب في واقع هذه الدولة قيمة أو أهمية متزايدة بعد الحرب البلقانية التي رسمت خارطة سياسية وديموغرافية جديدة للدولة، وأثارت تفكيراً جديداً لدى بعض الأوساط العربية في المنطقة.

وينتقد المؤلف بشدة ما يسميه «النفاق الأوروبي» تجاه الدولة العثمانية. فمع دور الصحافة الأوروبية في تجييش المشاعر ضد الوجود العثماني في البلقان، وانطلاق الدبلوماسية السرية بين موسكو وعواصم الدول البلقانية لأجل التوصل إلى حلف عسكري ضد الدولة العثمانية في صيف 1912، أدركت اسطنبول خطورة الموقف متأخرة فأعلنت في 7 أكتوبر 1912 عن موافقتها على تطبيق الإصلاحات المطلوبة في الولايات البلقانية. ورغم ترحيب القوى الأوروبية الكبرى بموقف اسطنبول وإعلانها أنها «ستحافظ على الحالة الحاضرة في البلقان»، إلا أن المناوشات المفتعلة بين قوات إمارة الجبل الأسود والدولة العثمانية كانت قد بدأت للتو لتتوج في 8 أكتوبر بقيادة ولي عهد الجبل الأسود بإطلاق المدفع الأول على حصن عثماني، وهو ما تبعه فتح الدول البلقانية الأخرى (صربيا واليونان وبلغاريا) لجبهاتها مع الدولة العثمانية التي لم تكن مستعدة لها كما يجب، لذلك انتهت بكارثة لها.

back to top