إضراب «الشحاتين»     

Ad

 منذ ما يقرب من نصف قرن عرض على شاشة السينما المصرية فيلم "إضراب الشحاتين" قصة الكاتب الكبير الراحل إحسان عبدالقدوس، بطولة الفنانة لبنى عبدالعزيز، التي مثلت دور "شحاتة" (متسولة) تقود إضراباً "للشحاتين" الذين رفضوا ما اعتادوا عليه من قبول الدعوة التي تقدم إليهم سنوياً على إحدى موائد الخير التي يقيمها الأثرياء، إلا بعد أن يرضخ هذا الثري لمطلبهم في منح كل واحد منهم مبلغاً كبيراً من المال، اعتبروه حقاً لهم ونجاحاً لإضرابهم.

ولو كان في مصر- خلال فترة إنتاج هذا الفيلم وعرضه- هذا المسلسل من الإضرابات والاعتصامات، التي أصبحت سمة المشهد السياسي في مصر بعد ثورة 25 يناير، لبدا هذا الفيلم إسقاطاً على هذا المشهد.

الصراع الطبقي والحرب الأهلية  

ولكن هذا الفيلم كان في الواقع إسقاطاً على الصراع بين الطبقات، الذي كانت تقوم عليه فلسفة ثورة 23 يوليو، التي كانت تريد أن تصل إلى حل سلمي لهذا الصراع عن طريق تذويب الفوارق بين الطبقات، بوسائل العمل الديمقراطي، لأن بقاء الصراع والتصادم الطبقي يعني- في فلسفة هذه الثورة– الحرب الأهلية، وما تلحقه من إضرار بالوطن.  

وكانت هذه هي فلسفة ثورة 23 يوليو في حل الصراع الطبقي، التي كانت هي منظومة الميثاق الوطني الذي قدمه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر للمؤتمر الوطني للقوى الشعبية يوم 21 مايو 1962.

فلسفة وفكر الجماعة

وإذا كان بقاء الصراع والتصادم الطبقي، يعني الحرب الأهلية في هذه المنظومة، وما تلحقه هذه الحرب من دمار وخراب بالوطن، فإن فلسفة جماعة الإخوان المسلمين، ومشروعهم الإسلامي في الحكم يقومان على فكر يختلف تماماً عن فكر أي تنظيم سياسي وضعي، بما يقوم عليه من أسس، لعل أهمها أساسان: الأساس الأول: أن فكرة الوطن غائبة تماما عن مشروعهم الإسلامي، وحمايته ودرء الأخطار عنه ليسا هدفاً تسعى إليه الجماعة، بل هو وسيلة لتحقيق هدفهم الأسمى والأهم، وهو الخلافة الإسلامية، فالجماعة تدخل ضمن تنظيم دولي يسعى إلى إقامة مشروعه الإسلامي.

الأساس الثاني: إقصاء الآخر، فالعالم ينقسم إلى دارين، دار الإسلام ودار الحرب. وقد عبر عن الأساس الأول في غياب الوطن عن فكر الجماعة مرشد الجماعة السابق السيد مهدي عاكف، والمرشد العام الحالي د. محمد بديع في قول الأول على الملأ وفي لقاء صحافى "طز في مصر"، وفي قول الثاني إن مسؤوليات المرشد العام أكبر كثيراً من مصر، في سياق نفيه لتدخل المرشد العام في القرارات التي كان يصدرها الرئيس المعزول محمد مرسي.

وقد أثبتت جماعة الإخوان خلال الفترة التي حكمت فيها مصر منذ أن اكتسحت الانتخابات البرلمانية في عام 2011، و بعد أن اعتلى محمد مرسي سدة الحكم، أن الوطن والانتماء والولاء إليه غائب تماما عن فكرها وفلسفتها.

جيش من المرتزقة

ومن هنا، وعندما فشلت الجماعة في إرهاب الشعب، لمنعه من الخروج إلى الشوارع والميادين في 30 يونيو، وعندما اكتشفت أنها غير قادرة على حشد مماثل تفتقت أذهان قادتها عن فكرة تقوم على تأجيج الصراع الطبقي، وهي إنشاء جيش من المرتزقة من الطبقة الفقيرة التي انضمت إلى اعتصام الجماعة ليحصل أفرادها على أجر كبير، وهو 500 جنيه للرجل و200 جنيه للمرأة فضلا عن وجبتين للإفطار والسحور، حيث تذبح كل يوم العجول التي تقدمها الجمعيات الخيرية التابعة للجماعة إلى المعتصمين.

ولم يكن هذا هو الدعم الوحيد الذي تقدمه هذه الجمعيات بل قدم بعضها أطفالاً لا تجاوز أعمارهم السنوات العشر، ولبس بعضهم أكفان الموتى، وعلّق على صدور البعض "مشروع شهيد"، وهو ما أثار احتجاج منظمات حقوق الإنسان على مستوى العالم، خصوصاً تلك المعنية بحقوق الطفل، فقد أثبتت الجماعة بهذا الحشد من المرتزقة والأطفال اليتامى أنها تعد نفسها لحرب أهلية. وهي الحقيقة التي اضطرت أميركا أخيراً إلى الاعتراف بها على لسان وزير خارجيتها جون كيري، الذي قرر أن الجيش المصري خرج يوم 30 يونيو وقبله بأيام من ثكناته، ليجنب الشعب حرباً أهلية، وهو يستعيد الديمقراطية، وأن الجيش لا يسعى إلى حكم البلاد.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.