الشيخلي ينهل من الواقع حكايات ممزوجة بخيال أدبي
أصدر مجموعة قصصية جديدة بعنوان {الماوراء}
في مجموعته القصصية الجديدة «الماوراء» (دار نوفا بلس للنشر والتوزيع) يقتنص الكاتب سليم الشيخلي حكايات إنسانية مستوحاة من الواقع، مركزاً على تداعيات المأساة المشطورة بين الغربة والانتظار.
في مجموعته القصصية الجديدة «الماوراء» (دار نوفا بلس للنشر والتوزيع) يقتنص الكاتب سليم الشيخلي حكايات إنسانية مستوحاة من الواقع، مركزاً على تداعيات المأساة المشطورة بين الغربة والانتظار.
يتضمن كتاب «الماوراء» (128 صفحة) 23 قصة ومجموعة نصوص قصيرة جداً، ويتميّز بتنوع موضوعات حكاياته التي تنهل من الواقع المثخن بالتوتر السياسي والقلق الاجتماعي والغربة والألم الروحي. يقدم الشيخلي وجبته الأدبية الممزوجة بخيال مدهش من خلال اقتفاء تفاصيل الحكاية، باحثاً عن فجر جديد يخلص المنكوبين من معاناتهم.قدّم للإصدار الأديب إسماعيل الفهد، مستذكراً تفاصيل اللقاء الأول، ومشيداً بإصداره «عباءات محترقة»، متسائلاً: «ما الذي يمنعك من أن تنشر قصصك القصيرة، وهي، كما أراها أنا، كفيلة بإدهاش متلقيها عن جداره؟ تردني إجابة: أمر النشر يحتاج مزيداً من الحيطة. حيطة من ماذا؟ من الوقوع في المعتاد السائد. يا سليم الشيخلي الوقت يمر وأنت تراوح في التردد».
وأردف الفهد: «بقي يكتب ليعيد الكتابة طموحاً منه لبلوغ مغايرة غير مسبوقة، لما قرأت مجموعته القصصية هذه بصيغتها التي انتهت إليها حسدت فيها جرأته التجريبية عالية السقف».الكينونةيستهل الشيخلي حكاياته من خلال حميد الهارب من نار وطنه والباحث عن راحة نفسية وأمان في مكان ظنه سيجلب له سعادة وطمأنينة، لكنه رغم توافر سبل الحياة الكريمة كافة في موطنه الجديد إلا أنه لم يستطع الخروج من شرنقة كينونته الأولى. ويسرد الشيخلي تفاصيل حكاية حميد الذي ارتبك وهو يدخل شقته وهمّ بالخروج، لكن صورة جده على الحائط جعلته يتأنى قليلا، فلم يكن الأثاث الذي أعتاد عليه، وبدّلت الصالة شكلها، زمانها.يركز الكاتب على حالة عدم الاستقرار التي يعيشها حميد، موضحاً ذلك في المقطع التالي: «شيء من الغلط يدور حوله فاستدار بغية الخروج ليتأكد أو يبدأ صفراً يعيد ترتيب مأزقه، لكن صوتاً رقيقاً أتى وصله من الداخل وخلفه فتاة جميلة جداً. جئت إذا حبيبي. نظر إليها ملياً، وجه لم ير مثله، أنثى جداً بكل المقاييس. مثل كل يوم تأخذك الدهشة وتفتح عينيك وفمك. دنت، سحبته برقة من أنامله إلى أريكة حديثة جداً وغادرت لتعود حاملة قدحاً من عصير البرتقال تقرقع بداخله قطعتا ثلج وضعته أمامه. حلم أم كابوس أيكون عالما آخر بطريقة سرية وسريعة جدا! قرص نفسه، شرب من عصير البرتقال لكن إحساس الغربة ظل بنطالاً ضيقاً لا يملك غيره».لم يفلح صخب الحياة الجديدة وجمالها في التأثير على حالته، لأن جوارحه تبحث عن الوطن الذي يسكنه وليس الغربة التي يقيم فيها: «أخرجه رنين الهاتف من كينونته المعقدة، مندوب إحدى الشركات يعرض أحدث كمبيوتر يربط بأجهزة المنزل لتوفير فاتورة الكهرباء. اعتذر بإغلاق السماعة، جرّ قدميه نحو النافذة. شارع لم يشاهده من قبل، لافتات بلغة مبهمة إلا وحدة استطاع أن يقرأ منها «مذبوح على الطريقة الإسلامية»، استدار مسلوباً، نظراته تشرب المكان وحركة الأنثى الجميلة جدًا تدعوه للعشاء، حميد نحن في السويد لماذا تحمل سجنك أينما حللت». تأشيرة سفروفي قصة «إنها حالة جداً 2» يقول الكاتب متتبعاً مشوار زوجة حميد قبل الحصول على تأشيرة السفر إلى أوروبا: «خطوة واحدة، أسدل الستار على محترفي وأطفئ ما تبقى من حرائق بنت أعشاشها كياني فأستعبدتني، سأمسح ما مرّ بحب للأيام القادمة بعيداً عن السوط والوطن، الشوك والنخلة، حوض الأسيد ودجلة، أجمع سنوات الذل، أدفنها خاصرة الظلمة تذكاراً لزمن القهر. أبداً حياتي التي تشابكت حد التلاشي فتاهت تحت بصري معه، لا بد أن يقوم ويصنع ناموس مقاومتنا الجديد. رجاء اجمعوا الجوازات، وانزلوا لتأشيرها».توتر وانتظاريرصد الكاتب لحظات التوتر والانتظار في المقطع التالي: «جلست على كرسي بائس وبدأت تقرأ دون أن تحرك شفتيها من كتاب «الدعاء المستجاب» شلالات سوداء تنثال رأسها فأحست بالعرق غزيراً، اجمعي ما تبقى من جلدك هنا، فقط ختم مغادرة لجوازي سفر، لن يحدث الأسوأ. أخرجت منديلها موزعة بين الإصغاء والدعاء مسحت وجهها المبلل باستغاثة ما قبل الانفجار. ودت لو تبكي لكنها تذكرت أن لا تظهر الضعف في حضرتهم، أن تبغي بالصمت سبيلاً للمقاومة، لم تصدق أن جوازه سيتحرر مثلما لم تكن مصدقة عودته إليها بعد غيبة خمس سنوات في ضيافة الدولة، ملأت رئتيها عطر وطن حبسته تذكاراً. الماضي يتساقط مدناً رملية لتنهض آمال حيوات جديدة، يتبدل شكل الطريق، الزمان».قصص قصيرة جداومن القصص القصيرة «السومري» التي تتضمن التقاطات جميلة: «تقهقر الليل لكنه ظل في عماه. الفجر لم يولد بعد». ومن النصوص الأخرى «انتماء»: «دخل متاهات الأبدية. تروح الموانئ يأتي الخريف، يداه تقبضان الطين. عيناه تعبان ماء العرش. رسمته حدوته وطنية مرمياً جرف دجلة وجسمه مثقب بالأساطير».