في خضم الطوفان التلفزيوني الرمضاني يصعب تحديد البرنامج أو المسلسل الذي يمكن متابعته بشكل يومي، فكل قناة تقول "الزين عندي"، وإذا ذهبنا إليها نقع في فخ الدعايات الطويلة، وللعلم دعايات هذا العام لا يوجد "أملق" منها، أعمال هذه السنة وكل السنوات تدور في نفس الدائرة، فقير يحب بنت فلوس وأهلها "يدوسون ببطنه"، وتتولد عنده عقد طبقية تدفعه إلى أن يصبح أغنى من أهل حبيبته "عشان يدوس ببطنهم وبطنها".

Ad

 وخلال ثلاثين حلقة نصف الممثلين يتزوجون من النصف الآخر، ويعرض مصممو الأزياء كل ما لديهم من "خلاجين" بمعدل 30 دراعة في الدقيقة، وأخيراً يتم تصوير بقية المشاهد في المستشفى.

وعندما تم الخروج قليلاً من "الرتم" زمنياً مع بقاء كل شيء على حاله، بدأت الأحوال تتحسن قليلاً مع مسلسلات الكويت القديمة، حتى إن الفنان حسين عبدالرضا "ضرب ضربته" في "التنديل" عام 2008 الذي استعاد فيه الكثير من نجوميته التي تأثرت بأعماله السابقة، إلا أن الطابع التجاري وضرورة البيع في رمضان أفسدت الطبخة، وتم التملص من ذلك عندما تم اختيار فترة السبعينيات والرومانسية الطاغية فيها، ونجحت الفكرة مع "ساهر ليل" بشكل تصاعدي، حتى إن الجزء الأخير تمت محاسبته شعبياً وكأنه برنامج وثائقي مع أنه مجرد مسلسل يلخص حياة مجموعة من الأسرى خلال فترة الاحتلال العراقي الغاشم لدولة الكويت.

هذه "الثيمة" وهي مسلسلات السبعينيات وما رافقها من نجاح، جرت بعدها مسلسلات "قص ولزق" وبميزانية ضعيفة عجزت عن خلق بيئة بصرية مقنعة لحقبة السبعينيات في دولة اجتهدت حكومة وشعباً في مسح كل معالمها القديمة، فكانت تلك الأعمال مجرد فرصة للضحك على محاولات فاشلة لتقليد الزمن اعتماداً على الذاكرة والمجهودات الفردية.

بالنسبة إلي أنا في مأزق، لأن اختياري الأول غير متوافر هذه السنة وهو المسلسلات التاريخية "المضبوطة" تاريخياً ولغوياً وبصرياً، وأرجو ألا يقول لي أحد تابع مسلسل "خيبر" لأن الجواب يقرأ من عنوانه.

الاختيار الثاني هو برامج الاكتشاف لحضارات وثقافات الشعوب الأخرى، وشقيقتها برامج الأمثلة الحية على التطبيقات الإنسانية المحفزة للعقل والتفكير، وأعلم أن تلك البرامج مكلفة مادياً إلا أنها تستقطب جمهوراً كبيراً إذا عرضت قبل موعد الأذان، وجهز لها فريق إعداد متمرس، ومقدم برامج يعرف كيف يوصل أفكاره بأوقع الكلمات وأقلها.

 وقد سبق لتلفزيون الكويت أن عرض منتصف الثمانينيات برنامجاً أعاد فيه اكتشاف طريق الحرير، وهو طريق التجارة القديم للسفن والقوافل، وهذه الأيام يعرض تلفزيون الكويت برنامجاً عن "زنجبار" وتاريخ البحارة الكويتيين مع تلك الجزيرة الإفريقية، تم تصويره هناك، وأعتقد أن العيب الوحيد فيه هو توقيته.

أختم بالقول إن هذه التجارة المحمومة في الإنتاج الفني لم يواكبها تطور في المضمون يضمن جودة المنتج، ولعل نجاح بعض الأعمال "المشغولة" جيداً يسبب الكثير من الإحراج لأعمال التهريج و"المط" والانحطاط الأخلاقي، كما يجعل كل من يحترم عمله يتأنى في اختياراته لأن المردود الثمين سيحصل عليه حتماً شهرة ومالاً.

الفقرة الأخيرة:

حاتم علي أين أنت؟