النصر في أفغانستان غير ممكن بدون الجنود الأميركيين!
لا شك أن البيت الأبيض، في كلامه عن إبقاء 3 آلاف جندي (أو ربما سحبهم كلهم) بحلول نهاية عام 2014، يتجاهل الواقع.
خلال حرب فيتنام، اشتهر سيناتور ولاية فيرمونت الجمهوري جورج أيكين باقتراحه أن نعلن النصر ونعود إلى الوطن. (ما قاله في الواقع يحمل معاني أكبر، إلا أن هذه كانت النظرة العامة إلى كلامه).يبدو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يتبع نسخة من هذه الاستراتيجية في أفغانستان، أو على الأقل هذا ما نستخلصه من ادعائه النجاح في مؤتمر صحافي عقده مع الرئيس الأفغاني حامد كرزاي قبل أيام، فقد كشف كلا الرئيسين في هذا المؤتمر تسريع الجدول الزمني لانسحاب الجنود الأميركيين من أرض المعركة.
مع أن أوباما أقر أننا "لم نحقق على الأرجح... كل ما تخيل البعض أننا قد ننجزه في أفضل الأحوال"، حاول إظهار جهود الحرب التي بُذلت بصورة مميزة، وأضاف: "هل حققنا هدفنا الرئيس؟ هل تمكنا، على ما أظن، من بناء علاقات قوية مع حكومة أفغانية مسؤولة ومستعدة للتعاون معنا كي تضمن ألا تتحول أفغانستان مجددا إلى نقطة انطلاق اعتداءات مستقبلية ضد الولايات المتحدة؟ نعم، حققنا هذا الهدف. نعمل اليوم على تحقيق هذا الهدف".ولكن ثمة اختلاف بارز بين هاتين الجملتين الأخيرتين، فأيهما الصحيح: حققنا الهدف أم نعمل على تحقيقه؟ إن كان المعنى الأخير هو المقصود، فهذا يدعم استمرار الالتزام الأميركي في أفغانستان. ولكن إن كان المعنى الأول هو الأدق، فهذا يعني أن مهمتنا قد انتهت.صحيح أن الولايات المتحدة تحقق تقدماً في أفغانستان، غير أن الواقع يُظهر أننا ما زلنا بعيدين كل البعد عن تحقيق الهدف الرئيس المحدَّد في اتفاق الشركة الأمنية الأميركية- الأفغانية، الذي وقعه أوباما وكرزاي في شهر مايو: "الاعتماد المستدام على الذات في مجالات الأمن، والحوكمة، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية".لا شك أننا حققنا نجاحاً مستداماً في اقتلاع أعضاء حركة طالبان من معاقلهم في ولايتي هلمند وقندهار، كما لاحظت أنا بنفسي خلال رحلات متكررة إلى جنوب أفغانستان. وبعد سنوات من العنف المتنامي، تراجعت هجمات الأعداء بنسبة 7% بين شهري يناير ونوفمبر 2012، مقارنة بالفترة نفسها من السنة السابقة. وكما ذكر أوباما، تتعاون الحكومة الأفغانية إلى حد ما معنا، رغم الخلافات الكبيرة بشأن التعاطي مع المعتقلين والفساد في الحكومة وعدد من المسائل الأخرى.لكن المكاسب الأمنية التي حققناها أخيراً لا تزال ناقصة، فلن تتوافر للقادة البتة الموارد الضرورية لإطلاق حملة "تمشيط وسيطرة" في شرق أفغانستان، كما فعلوا في جنوبها. نتيجة لذلك، ما زالت معاقل حقاني صامدة على بعد ساعة بالسيارة من العاصمة كابول. علاوة على ذلك، سيكون من المستحيل الحفاظ على المكاسب غير المكتملة التي حققناها بصعوبة خلال السنوات الأخيرة، ما لم تواصل الولايات المتحدة تقديم مساعدة كبيرة لأفغانستان. يقرّ التقرير بشأن التقدم نحو الأمن والاستقرار في أفغانستان الصادر عن وزارة الدفاع الأميركية بأن 23 لواء فقط في الجيش الأفغاني قادرة على العمل بمفردها. صحيح أن القوات الأفغانية تقاتل بقوة وتتكبد خسائر كبيرة، بيد أنها لا تزال تحتاج إلى مساعدة القوات الأميركية، خصوصاً دعمها المدفعي، الجوي، اللوجستي، والاستخباراتي. فلن تتمتع أفغانستان بقوة جوية فاعلة قبل عام 2017 على أحسن تقدير.لا شك أن تقديم كل هذا الدعم للأفغانيين والاحتفاظ بالقدرة على تنفيذ عمليات خاصة منفصلة لضرب أهداف إرهابية بارزة يحتاجان إلى وجود كبير للجنود الأميركيين. أفغانستان بلد مترامي الأطراف، فلا يمكن للجنود في كابول أن يساعدوا بفاعلية الوحدات الأفغانية في قندهار أو خوست أو ضرب أهداف إرهابية هناك. لذلك يجب الاحتفاظ ببضع قواعد خارج منطقة العاصمة، ومن الضروري الدفاع عن كل منها وتأمين الإمدادات لها، كذلك ينبغي أن تكون قوات التدخل السريع والمنشآت الطبية جاهزة دوماً في حال حدوث أي طارئ.كم يجب أن يكون هذا الوجود كبيراً؟قدّر الفريق المتقاعد جيم دوبيك، قائد سابق لمهمة التدريب في العراق، في تقرير أخير نشره معهد دراسة الحرب أن عدد الجنود المطلوب يتراوح بين 23 و28 ألفاً. أما الفريق المتقاعد ديفيد بارنو، قائد سابق في أفغانستان، فذكر في تقرير ديسمبر عام 2010 الصادر عن مركز الأمن الأميركي الجديد أن عدد الجنود يجب أن يتراوح بين 25 و35 ألفاً. (أشار بارنو منذ ذلك الحين إلى إمكان الاكتفاء بأعداد أقل، إلا أنه لم يقدم أي أسباب تبرر اعتبار تحليله الأول غير دقيق).لا شك أن هذه الأعداد أكبر بكثير مما تشير إليه التسريبات الأخيرة الصادرة عن إدارة أوباما، فتتحدث الشائعات عن أن الإدارة ترغب على الأرجح في سحب نصف جنودها الستة والستين ألفا هذه السنة، وكل المتبقين تقريباً في عام 2014، تاركة مجموعة صغيرة لا يتجاوز عددها الثلاثة آلاف، أو قد تسحب كامل قواتها. فالحديث عن سحب كامل القوات بدأ يلقى أخيراً الرواج في البيت الأبيض.لا شك أن لأوباما كامل الحق باعتبار أن كلفة الانتصار في أفغانستان عالية جداً، ولكن إن صح ذلك، فعليه أن يصارحنا بذلك بدل أن يهين ذكاءنا مدعياً أننا حققنا النصر في حرب لا يبدو أنها ستنتهي في المستقبل القريب.* ماكس بوت | Max Boot