بعد سنتين من الصراع المسلح، هل شارف الجيش السوري على الانهيار؟ برز هذا السؤال، الذي طُرح كثيراً خلال هذه الحرب، في الشهر الماضي، بعدما عززت الثورة المناهضة للأسد فاعليتها وصارت أكثر جرأة في رسائلها على مواقع التواصل الاجتماعي، ويعتبر مَن يتابعون هذا الصراع منذ 25 شهراً تماسك الجيش السوري المقياس الأفضل لتحديد القوة التي ما زال الأسد يتمتع بها.

Ad

بالنظر إلى الحوادث الأخيرة على الأرض، ساد شعور قوي في أنحاء العالم المختلفة أن قوى الأمن التابعة لبشار الأسد قد اقتربت من نقطة تفككها، فللمرة الأولى منذ انطلاق الحرب الأهلية، خسر الجيش السوري الشهر الماضي السيطرة على إحدى المحافظات، وهي مدينة الرقة، بعد هجوم متواصل شنه مقاتلون ثوار ينتمي بعضهم إلى "جبهة النصرة"، وفي قطاعَي البلد الشمالي الشرقي والشرقي، بدأت العناصر المناهضة للحكومة بإقامة إدارة سياسية مؤقتة لتملأ الفراغ الناجم عن انسحاب النظام. وفي تطور جديد، فتحت قوات الثوار السورية جبهة إضافية قرب مرتفعات الجولان على طول الحدود السورية الأردنية، منطقتين قريبتين نسبياً من العاصمة دمشق.

إذا أضفنا هذه التطورات إلى معدل فرار الجنود الذي يضعف صفوف الجيش السوري، نظام لوجستي مثقل لدعم الجيش في ساحة القتال، ومئات الوفيات التي تلحق بالحكومة السورية كل شهر، نميل إلى القول إن عماد قوة الأسد (الجيش وأجهزة الاستخبارات والأمن) لن يتمكن من الصمود فترة أطول. لنتأمل تصرفات مفتي سورية الشيخ أحمد بدر الدين حسون، الذي دعا الشهر الماضي الشبان السوريين إلى تأدية واجبهم الديني بالانضمام إلى جيش النظام، ما يعني أن القوات المسلحة السورية باتت اليوم في موقف محرج وتحتاج إلى المزيد من المقاتلين.

قد يبدو الجيش السوري منهكاً بعد سنتين من محاولة احتواء مئات آلاف المقاتلين المناهضين للحكومة. رغم ذلك، يجب ألا نسارع إلى القول إن نهاية بشار الأسد باتت وشيكة، كما ألمح مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية جيمس كلابر خلال شهادته أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الشهر الماضي.

تحلت القوات الموالية للحكومة بقدرة عالية على تكييف تقنياتها، الحفاظ على قوتها القتالية، وتغيير خططها العسكرية لتتلاءم مع البيئة الاستراتيجية المتبدلة، علاوة على ذلك، برهن الجيش السوري عن استعداد لتصعيد استخدامه القوة، استعمال أنظمة أسلحة مدمرة، وإطلاق صواريخ بالستية عشوائياً.

في مطلع السنة الماضية، عندما أخفقت حملة تدمير منظمة في حي بابا عمرو، الذي يسيطر عليه الثوار، زاد الجيش السوري قوته القتالية بنشره مجموعة من المروحيات العسكرية. وعندما فشلت هذه المروحيات في تغيير الدفة، لجأ الجيش إلى الطائرات الحربية، ما أدى إلى مقتل آلاف إضافية من المدنيين وفصل صيف دموي كارثي.

Daniel De Petris

في خريف وشتاء عام 2012، عندما حقق الجيش السوري الحر بعض الانتصارات في حلب واقترب من دمشق، قرر النظام التخلي عن بسط سيطرته على كامل البلد، فقد أدرك بشار الأسد أن الانتفاضة قوية جداً في شمال سورية وشرقها، لذلك اختار أن يعزز قواته في مناطق البلد التي تُعتبر بالغة الأهمية لاستمرار النظام، مثل دمشق، وحلب، وحمص، وحماة، والساحل العلوي. وكما أشار جوزف هوليداي من معهد دراسة الحرب في تقريره الأخير، رأى النظام السوري أن السيطرة على سورية بأكملها ما عادت ممكنة، ولكن بدا ممكناً أن تتمتع الأحياء الداعمة للحكومة بما يكفي من الموارد لتدافع عن نفسها، واعتبر أن بناء الميليشيات الموالية للحكومة في القرى المحلية، تسليح الأقليات السورية لمحاربة الثوار السنة، والتحكم بالممر الرئيس من دمشق إلى الساحل الشمالي الغربي أكثر أهمية من قتل كل متمرد والسيطرة على كل بلدة.

قبل أن يتوقع المجتمع الدولي سقوط الأسد، يجب أن يدرك أن تعرض الجيش السوري لضغوط مهولة لا يعني بالضرورة هزيمته، فما زال الأسد يتمتع بإخلاص الجزء الأكبر من قواته المسلحة، التي يحارب معظمها اليوم لتفادي أو تأخير ما قد يتحول إلى نظام سني يسعى إلى الانتقام بعد انتهاء الحرب وسقوط الأسد.

صحيح أن الأسد قد لا ينجح في إخماد الثورة أو السيطرة على كامل البلاد، كما كانت الحال في الماضي، إلا أنه ما زال يملك ما يكفي من قوة قتالية ورجال لمتابعة القتال حتى آخر السنة، لكنه يدرك أن الحد من خسائر الجيش في الميدان، وحشد دعم قاعدته، وتضييق نطاق المهمة عناصر أساسية تضمن مواصلة نظامه القتال.