شيوخ عيونهم زرقاء ٦
ماذا لو أن شخصاً ما عندنا قام بقتل العشرات لأسباب عنصرية أو طائفية أو مذهبية أو غير ذلك من مبررات التمييز ضد الآخر؟ كيف ستكون يا ترى ردود الفعل في أي مجتمع إنساني شرقياً كان أو غربياً على فعل كهذا؟ جرائم مشابهة كثيرة حدثت في بلاد ومدن عديدة مثل أوكلاهوما ولندن ومدريد ونيويورك والعراق وسورية وروسيا وغيرها، هناك بالطبع فروق بالتفاصيل والمبررات كما كان هناك تباين في ردود فعل المجتمعات، فمنها من اندفع نحو الانتقام دون هوادة، ومنها من تعامل بهدوء نسبي، ومنها من غير نمطه الاستراتيجي كلياً وتحول إلى دولة أمنية شكلاً وموضوعاً، ومنها من بالغ في التعميم خالطاً حابل البريء بنابل المجرم.
فكيف تصرف النرويجيون، الشيوخ ذوو العيون الزرقاء، مع أكبر جريمة عنصرية فردية في التاريخ؟ وكيف كانت ردة فعلهم على قيام العنصري أندريه بريفيك في ٢٢ يوليو ٢٠١١ بقتل ٧٧ شخصاً، وجرح أكثر من ٣٠٠؟ ولنستمع إلى ما قاله بريفيك في المحكمة: "لم أكن أنوي قتل ٧٧ فقط، بل كنت أنوي قتلهم كلهم دون استثناء وهم صغار، لكي أقضي نهائياً على كل فكر ليبرالي ملوث يدعو إلى اندماج المهاجرين، فالكثير منهم وتحت الهلع من القتل، سيقفزون للبحر، فيموتون غرقاً إما لأنهم لا يجيدون السباحة أو لأنهم وبسبب الفزع لن يتمكنوا من السباحة".لكن اللافت أنه ومع بشاعة الجريمة، فإنه لم تطالب أسرة واحدة من الأسر المنكوبة بإعدامه، ولم يصرح أي زعيم سياسي ذي وزن بالمطالبة بتغليظ العقوبة، لردع "كل من تسول له نفسه"، كما يقال عادة عندنا، ولم يتم القول إن بريفيك كان مختلاً عقلياً، بل توفرت له محاكمة مفتوحة وعلنية، بل إن عدداً من المحامين المناهضين لفكر بريفيك أعلنوا تطوعهم للدفاع عنه، ليس تضامناً معه، بل لتثبيت مفاهيم العدالة ومن أهمها حق المتهم في الدفاع عن نفسه. بالطبع كانت هناك ردود أفعال جزئية حادة على الإنترنت و"تويتر" وغيرها، لكنها لم تكن تعبر عن حالة ثقافية سائدة. فلنتخيل فقط كيف ستكون ردود الفعل عندنا على ما هو أقل من ذلك بكثير. وللحديث بقية