عربة تجرها ثلاثة خيول:
يقول بعض الفقهاء عن تطور النظام الدستوري الأميركي إن نظام الحكم في الولايات المتحدة الأميركية أشبه بعربة تجرها ثلاثة خيول: الرئيس والكونغرس والمحكمة العليا الأميركية، ويصف البعض نظام الحكم في الولايات المتحدة الأميركية بأنها حكومة قضاة.ولئن كان القضاء الدستوري ليس عملاً سياسياً بل هو عمل فني قضائي, ولا يخرج ما تباشره المحكمة الدستورية عن طبيعة الأعمال القضائية (جلسة 14/6/1986– 3 لسنة 86 تفسير دستوري) إلا أن ذلك لا ينفي أمرين:الأمر الأول: أن المحكمة في تفسيرها للنصوص الدستورية, قد لا يسعفها التفسير اللغوي لمفردات النص، فتستجلي قصد المشرع الدستوري, في ظل نظريات مختلفة في التفسير, منها ما يبحث عن القصد الحقيقي في ظل الظروف التي وضع فيها الدستور, ومنها ما يبحث عن النية الاحتمالية للمشرع الدستوري دون التقيد بتلك الظروف، ومنها ما يتعرف على الواقع وحاجاته ومقتضياته وذلك حسبما تنبئ عنه التجربة وفرض ما هو واجب في شأن هذا الواقع, حيث يختلط فن القضاء بالواقع والمستجدات, فيفرض القاضي على هذا الواقع ما يمليه عقله من مثل عليا وغايات ومرامٍ وما يستلهمه من مبادئ المجتمع الذي يعيش فيه, بحسب فهمه لهذه المبادئ، وهي أمور نسبية وليست مطلقة.الأمر الثاني: ما يحدثه تفسير النص الدستوري من تغيير في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي, ومن تأثير في الأحداث السياسية, وربما أحياناً من تحقيق للتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية برأب صدع التعاون بينهما, عندما لا يكون أمام كليهما سوى الانصياع للرأي الذي تبديه المحكمة الدستورية في الخلاف الذي احتدم بينهما حول تفسير النص الدستوري المطلوب تفسيره, وهو دور وإن لم يقصده المشرع الدستوري, إلا أنه دور فرضه الواقع السياسي, وهو أمر ليس قصراً على الكويت ودور المحكمة الدستورية فيها, بل إنه يمثل واقعاً مقارناً في الدولة التي أخذت بالقضاء الدستوري.ويرى د. أحمد كمال أبو المجد بأن العمل القضائي الفني للمحكمة لا يمنع من التذكير بأن من طبيعة الرقابة على القوانين أن تمس بالضرورة عدداً من المشاكل السياسية، حيث تكفل نصوص الدستور أنواعاً متعددة من الحقوق السياسية للفرد والمجتمع والسلطات الدستورية, وهي أمور تتصل أوثق اتصال بقيم المجتمع بحيث يبدو تعرض القضاء الدستوري لها– في ظاهره– كما لو كان اقتحاما لمجالات سياسية تختص بها السلطة السياسية وحدها ولا ينازعها– في ذلك– القضاء (من مقال نشر لسيادته بصحيفة الأهرام منذ أكثر من عشر سنوات).وقد لاحظ العميد هوريو ما في القضاء الدستوري من خطر لما يخشى من أن تنتابه نزعات وميول سياسية خاصة, كما لاحظ من ناحية أخرى ما يترتب على عدم تقرير الرقابة القضائية على دستورية القوانين من إهدار لقواعد الدستور وإعدام لأثرها, وأمام هذين الضررين اختيار أخفهما مؤيداً فكرة تدخل القاضي ببحث دستورية القوانين, فهذا أهون بكثير من إهدار الدساتير وانتهاك حرمتها دون رادع ما- انظر أصول القانون للأستاذين الدكتور عبدالرزاق السنهوري والدكتور حشمت أبو ستيت– القاهرة 1938 ص 156 "الهامش".ولكن يظل القضاء هو الحصن الحصين للدستور والملاذ الأمين لكل السلطات والمجتمع والأفراد, ليكون حكمه فصل الخطاب الذي ينبغي على الجميع الخضوع له, حتى تظل سيادة القانون إحدى القيم الكبرى التي تحكم مسيرة المجتمع نحو التقدم والتطور.
مقالات
ما قل ودل: حكومة القضاة
16-06-2013