معاقبة الأصدقاء ومكافأة الأعداء!

نشر في 21-10-2013
آخر تحديث 21-10-2013 | 00:01
 د. عبدالحميد الأنصاري بينما تستجدي أميركا إيران لعقد صفقة سريعة ترفع عقوباتها، تعاقب مصر بقطع جزء من المعونة العسكرية والاقتصادية عنها، في وقت عصيب تواجه مصر فيه إرهاباً ضارياً في سيناء ومعاناة اقتصادية وأمنية في الداخل، ما تفسير هذا السلوك؟ وما دلالاته؟

يجمع المراقبون على أن أميركا في عهد الولاية الثانية لأوباما، تمر بمرحلة تحول كبيرة في سياستها الشرق أوسطية، أبرز ملامحها:

أولاً: التراجع السريع لنفوذها لمصلحة تصاعد نفوذ المحور المناهض لها في المنطقة.

 ثانياً: التخلي عن الحلفاء التاريخيين في المنطقة لمصلحة التقارب والانفتاح على ما سمي دول محور الشر.

 يرصد المراقبون العديد من المواقف السلبية لواشطن على امتداد السنوات الثلاث الماضية، اتسمت بقدر كبير من التردد وعدم الحسم والتراجع بعد التصعيد، سببت إحراجاً وإحباطاً لحلفائها، منها:

1- انسحابها السريع من العراق بعد تفكيك جيشه الوطني وتركه نهباً للإرهاب الذي يسقط العشرات يومياً، ومرتعاً خصباً للنفوذ الإيراني المتغلغل والممتد إلى شواطئ المتوسط، والداعم الرئيس للنظام السوري في قمع شعبه.

2- التأخر الأميركي المحبط بشأن الملف السوري بعد سلسلة من العمليات والتصريحات التصعيدية، أظهرت واشنطن فيها عينها الحمراء للنظام، لتتمخض عن موقف هزيل، انطبق عليه المثل "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم"، زاده هزالاً تصريح كيري المشيد بالتزام سورية بتدمير الترسانة الكيماوية!

3- التلهف الشديد للتقارب مع إيران وعقد صفقة معها بحجة أنها ملتزمة بفتوى الإمام الخميني المحرمة للسلاح النووي! ولا أدل على هذه اللهفة من أن واشنطن كانت تطالب إيران بخطوات عملية لطمأنة المجتمع الدولي بسلمية برنامجها، لكنها اليوم وبعد المفاوضات النووية، تعلن أنها تكتفي بحسن نوايا إيران لترفع عقوباتها! وفي الوقت الذي تلتزم الدول الست الحذر والترقب، تهلل واشنطن وتبشر بإيجابية إيران في المفاوضات.

 لا حاجة لإيران لطمأنة المجتمع الدولي، ستقوم واشنطن بهذه المهمة فهي متعجلة لرفع العقوبات أكثر من إيران تمهيداً لفتح الأسواق الإيرانية للشركات الأميركية قبل الآخرين، عللت واشنطن السلوك الإيراني الجديد بتأثير العقوبات عليها، وأتصور أن العكس هو الصحيح، فالأزمة الاقتصادية الأميركية هي التي دفعت أوباما للمرونة مع إيران، أما حلفاء واشنطن القلقين من عقد صفقة من وراء أظهرهم، تعيد إيران إلى موقع (شرطي الخليج) فعليهم إعادة حساباتهم مع حليفهم التاريخي المثير للشكوك!

4- الضغوط الأميركية على مملكة البحرين وتدخل سفيرها الصارخ في الشأن الداخلي، الأمر الذي دعا الأمير طلال بن عبدالعزيز بأن يحذر من تربص يهدد الدول العربية، مستشهداً بما كشف عنه الجنرال شيلتون رئيس هيئة الأركان الأميركي الأسبق، بأن إدارة أوباما تعمل على زعزعة استقرار دول عربية منها مصر والبحرين.

5- التفاوض مع طالبان من وراء ظهر الحليف الأفغاني كرزاي الذي عبر عن غضبه، وقال إنه تم دون استشارة حكومته.

6- اختطاف (أبو أنس الليبي) ونقله خارج ليبيا في خرق سافر للسيادة الوطنية واستخفاف صريح بهيبة الدولة الليبية، دفع ثمنه رئيس الحكومة زيدان الذي تم خطفه وترويعه وإعادته رداً على التعدي الأميركي المستفز والمرفوض من الليبيين.

7- معاقبة مصر بحجب جزء من المعونة السنوية المقررة بموجب اتفاقية السلام منذ 1979، تعلل أميركا سلوكها بأن الحكومة المصرية لم تحقق المعايير الأميركية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، والسؤال: هل خطف مواطن ليبي من بلده وانتهاك حقوقه، يتفق مع المعايير الأميركية لحقوق الإنسان؟! تقول واشنطن إنها استثنت معدات مكافحة الإرهاب من قرار الحظر، والسؤال: لماذا إذن منعت مروحيات (الأباتشي) وهي أهم سلاح في ملاحقة الإرهابيين بسيناء؟!

8- وأخيراً، فإن استراتيجية واشنطن في مكافحة الإرهاب، تشكل إحراجاً كبيراً لحلفائها، كما تسبب لهم متاعب سياسية وأمنية تستغلها المعارضة لتحريض الشعوب ضد حكوماتها بتهمة التبعية لأميركا، وطبقاً لعبدالله إسكندر فهذه الاستراتيجية أتت بنتائج عكسية لأن الإرهاب والتشدد تمددا بشكل أكبر، يلخص الكاتب هذه الاستراتيجية في أسلوبين:

1- عمليات اغتيال لمتهمين بإرهاب عبر غارات الطائرات بدون طيار، أو عمليات كومندوز تخطف مواطنين من بلادهم.

2- تشجع واشنطن حلفاءها على تنظيم حملات عسكرية على مواقع إرهابية، لتعود وتندد وتهدد بقطع المساعدات بحجة خرق حقوق الإنسان، هذا التخبط الأميركي، عرض الحكومات الحليفة للنقذ والتخوين والاتهام بالتفريط في السيادة الوطنية، كان من نتائجها خطف زيدان.

 الكل مستاء اليوم حتى الحليف الأفغاني الذي يصر على تعهد أميركي بعدم القيام بعمليات كيفية بعد 2014، حتى (ملالا) التي أبلغت أوباما قلقها! تبدو السياسة الأميركية ومنذ انطلاقة ثورات الربيع وكأنها تحاول التنكيل بالحلفاء ومعاقبتهم، فقد ساندت واشنطن الإطاحة بمن وقفوا معها وحموا مصالحها سنين طويلة، ودعمت خصومهم (الإسلام السياسي) في وصولهم إلى السلطة، واليوم بعد إزاحة الإخوان في مصر، تخذل واشنطن الجميع بل تحبط آمال الشعوب في كل الملفات المقلقة: فلسطين وسورية وإيران، في المثل الإنكليزي: مع أصدقاء من هذا النوع أنت لا تحتاج إلى أعداء! لقد قالها الفريق ضاحي خلفان من قبل: أميركا لم تعد حليفاً بل طرفاً مخيفاً.

* كاتب قطري

back to top