ابتزاز «النفط»... إلى متى؟!
لا طبنا ولا غدا الشر... وعدنا إلى الممارسات السابقة المتمثلة في إقحام النواب أنفسهم في مفاصل الدولة الهامة، وسلب سلطة القرارات التنفيذية الإدارية والفنية منها في قطاعات الدولة المختلفة، وذهب الكلام عن الأداء البرلماني المختلف وطي صفحة تجاوزات المجالس السابقة في التعامل مع قطاعات الدولة مع الريح، واستهل نواب مجلس 2012 الجديد أعمالهم بالتدخل في عمل متعلق بتعيينات أو ترقيات في شركة نفط الكويت، وإطلاق موجة تهديدات نيابية إلى وزير النفط هاني حسين بالاستجواب وطرح الثقة فيه بسبب عمل إداري وظيفي في إحدى الشركات النفطية التابعة له.لا نُنكر أن القطاع النفطي كبقية قطاعات الدولة يعاني أخطاء وتجاوزات، وأن تيار حدس أو الإخوان المسلمين الكويتيين لديهم اختراق واسع لذلك القطاع منذ تسعينيات القرن الماضي بسبب استخدامه كأداة في العمل السياسي والترضيات، وهي الأداة التي شهدت رواجاً في استخدامها من السُلطة في تلك الحقبة وأدت لخسائر فادحة وتقويض مؤسسات وطنية حيوية كان آخرها مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية التي استخدمت أسوأ استخدام في ترضية النواب والتوظيف العشوائي فيها وسوء الإدارة، مما أدى إلى نزف الخزانة العامة مؤخراً بأكثر من نصف مليار دولار كتعويضات مبدئية لموظفين تسببوا في خسارتها في سبيل خصخصة تلك المؤسسة وإنقاذها من تلك الأخطاء الشنيعة.
السيناريو اليوم يتكرر في القطاع النفطي، واستجابة الوزير حسين للتهديدات النيابية بإنشاء لجنة تحقيق في ترقيات شركة النفط خطأ فادح لن يحل المشكلة بل سيزيد هجمة النواب عليه، وابتزاز بعضهم من أصحاب مطالب التوظيف والمناقصات ووكلاء "حيتان" مشاريع الشركات النفطية في صراعهم على عطاءات القطاع النفطي، وسنعود إلى أسلوب لجان التحقيق البرلمانية في كل شاردة وواردة في القطاع النفطي، لتكون تلك اللجان وسيلة ضغط وابتزاز من تحت الطاولة للقياديين في القطاع النفطي الذين استنزفت جهودهم منذ سنوات في ملاحقة تهديدات ووعيد النواب لهم، ونتيجةً لذلك أصبحت قرارات تلك القيادات ترتجف بسبب الأوضاع المربكة التي تعصف بالقطاع النفطي وتؤدي إلى تأجيل مشاريعه وخطط تطويره وتتسبب بخسائر فادحة له منذ أن سُيس "النفط" وأصبح منخرطاً في اللعبة السياسية - المصلحية في البلد.البعض سيقول إنك أقررت في بداية المقال بوجود اختراقات من تيارات سياسية وربما اجتماعية للقطاع النفطي. هذا صحيح، ولكنني أرى أن القضاء ووسائل الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة تستطيع أن تُقوّم الخلل والتجاوزات إن وجدت، فالمتضرر وظيفياً يمكنه أن يلجأ إلى القضاء الذي أصدر أحكاماً مهمة في إنصاف العاملين في مختلف أجهزة الدولة، وكذلك من يكتشف تجاوزاً على المال العام يمكنه الذهاب بأدلته إلى النيابة العامة، أما وضع قيادات النفط تحت سيف الابتزاز عبر لجان التحقيق (غير المحايدة غالباً) والتهديدات النيابية فسيكون مصيره انهيار القطاع النفطي، فعندما يصبح كل قرار بمناقصة أو ممارسة أو مشروع أو توظيف أو ترقية تحت رقابة لجان التحقيق ستتحول عملياً سلطة القرار إلى تلك اللجان، وعلى القيادات النفطية أن تجلس في بيوتها انتظاراً لزيارة لجان التحقيق الوزارية والبرلمانية وتقريعها لها ولقراراتها، وإلغاء تلك القرارات! وهو ما سيؤدي فعلياً إلى تركها لمسؤولياتها، وجعل القطاع النفطي يسير "سماري" أو بواسطة قرارات تأتي من النواب وفقا لمصالحهم.استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى نتائج كارثية كما شهدنا أمثلة سابقة منها سواءً في مشروع الداو-كيميكال وخسائرنا نتيجة تحوله إلى مشروع سياسي، أو تفاقم تكاليف إنشاء المصفاة الرابعة، وكذلك عملية تصفية الحسابات من بعض النواب السابقين مع قطاع التدريب النفطي الذي أثبت كفاءة عالمية، وأكدت النيابة العامة أن ما أثير حوله لا صحة له إطلاقا، وبينت الوقائع أنه جاء على خلفية محاولات انتقامية من القائمين عليه، كل ذلك يؤكد أن صاحب القرار يجب أن يتصدى للغزوة التي يتعرض لها القطاع النفطي منذ سنوات مهما كلفه ذلك سياسياً، وألا يقدم مزيداً من التنازلات والتراجع أمام الممارسات التي يتعرض لها القطاع النفطي الذي يدير مصدر رزقنا الوحيد، لأن شرذمته وانهياره عبر إحباط كفاءاته وعدم حماية قرارات قياداته ستعني خراب البلد كله، فالنفط ليس وسيلة رزق فقط بالنسبة إلينا، بل هو خط الدفاع الأول عنا وعن أمننا الوطني.