دعم مصر فريضة خليجية

نشر في 20-10-2013 | 00:01
آخر تحديث 20-10-2013 | 00:01
 ياسر عبد العزيز في 21 أكتوبر من عام 2012، اندلعت تظاهرات في الكويت وصفتها وسائل إعلام عديدة بأنها "أضخم احتجاجات في تاريخ البلاد"، وهي الاحتجاجات التي شارك فيها عشرات الآلاف اعتراضاً على "قانون الانتخاب"، الذي أصدرته الحكومة آنذاك.

في الليلة ذاتها التي اندلعت فيها التظاهرات، أطلق القيادي "الإخواني" المصري خالد أبو شادي تغريدة على حسابه على موقع "تويتر"، قال فيها: "هل تقود الكويت الربيع العربي في دول الخليج؟".

ثمة ثلاثة أشياء يجب توضيحها في ما يتعلق بتلك التغريدة؛ أولها أن التساؤل الذي يطرحه هذا القيادي "الإخواني" يعكس تمنياً وليس استفهاماً، وثانيها أن هذا الرجل هو زوج إحدى بنات المهندس خيرت الشاطر نائب مرشد تنظيم "الإخوان" والرجل الأقوى فيه، وثالثها أن هذا الصيدلي والداعية الشاب تلقى تعليمه قبل الجامعي في الكويت.

لقد صوّت 310 آلاف مغترب مصري في الجولة الحاسمة للانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي فاز فيها المرشح "الإخواني" محمد مرسي، وكان نصف هؤلاء المغتربين المصوتين تقريباً في السعودية والكويت، وقد أعطوا هذا المرشح "الإخواني" بسخاء، حتى إنه فاز في السعودية بنحو ثمانية أضعاف الأصوات التي فاز بها منافسه أحمد شفيق.

عندما ضاقت الحال بـ"إخوان" مصر في عهد الرئيس الراحل عبدالناصر، كانت دول الخليج تفتح أذرعها لهم، وقد ذهبوا إلى هناك بعائلاتهم، واستقروا، واستثمروا، وأنشؤوا جمعيات أهلية، أو ساعدوا في إنشائها.

تمركز "إخوان" مصر تمركزاً جيداً في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي لدول الخليج العربية، وبوصفهم "تكنوقراطاً" فقد انخرطوا في مفاصل الأجهزة الإدارية لتلك الدول، ولأنهم يقدمون أنفسهم كـ"دعاة إسلاميين" فقد تمتعوا بسمعة وتأثير ونفاذ في مواقعهم، ولكونهم "مسيّسين" فقد ساهموا في تطوير أنشطة سياسية في أكثر من دولة، ولأنهم "براغماتيون" فقد حرصوا على إبقاء خطوط الاتصال والتعاون مفتوحة مع الأنظمة الحاكمة في تلك الدول، كلما كان الطريق إلى ذلك ميسراً.

لم يكن المصريون "الإخوان" هم المصدر الأوحد للفكر "الإخواني" في دول الخليج، لكن هناك أيضاً هؤلاء الخليجيون الذين درسوا في مصر، أو عاشوا فيها لسبب أو لآخر، وتأثروا بفكر التنظيم، وعادوا إلى بلدانهم لترويجه.

تحظر دول الخليج العربية الأحزاب والحركات السياسية الصريحة إلا في ما ندر، وتتمتع الأسر الحاكمة فيها بشرعية لا تجد من يدحضها في الغالب، وتتمحور كل المطالبات المطروحة على السلطة غالباً حول تحسين الأحوال أو توسيع رقعة المشاركة في صنع السياسة، وتغطي عوائد النفط المرتفعة كثيراً من جوانب القصور والخلل، لذلك فإن منابع السياسة تنضب، ومواردها تشح، ولا تتوافر فرص وجيهة للتمركز سياسياً إلا من خلال جماعات تتدثر بالدين، وتخاطب العواطف الدينية المتأججة في نفوس مواطني تلك الدول، أو تستميل شعورهم بالعزة المفتقدة منذ اندحرت الإمبراطورية الإسلامية قبل قرون طويلة، أو تعالج شعورهم بالذنب، لأنهم ينعمون بعوائد النفط دون أن يشاركوا غيرهم من المسلمين ما يكابدونه من شظف العيش وآلامه، أو ما يجابهونه من تحديات الاحتلال، والعدوان، والاعتداء على الكرامة.

على أي حال، فإنه يمكن القول ببساطة إن محمد مرسي وصل إلى سدة الرئاسة في مصر، في مطلع يوليو من عام 2012، في الوقت الذي كان فيه تنظيم "الإخوان" هو أقوى التنظيمات المعارضة في دول الخليج العربية، وأكثرها تماسكاً، وقدرة على العمل المنظم.

يأخذ تنظيم "الإخوان" أشكالاً متباينة في دول الخليج العربية الست، وتراوح قوته بين الخفوت والضعف كما يظهر في سلطنة عمان، وبين القوة والتماسك كما يظهر في الكويت، وتختلف علاقته بالسلطة الحاكمة إلى حد أن يقوم بحل نفسه والتماهي فيها كما حدث في قطر، أو أن يعمل ضمن رؤيتها ومشروعها السياسي كما يجري في البحرين، أو أن يقوم بالتضاغط الهادئ معها كما يحدث في السعودية، أو أن يزعجها بالتحدي كما يحصل في الإمارات.

في الأسبوع الذي أقسم فيه مرسي يمين تقلده منصبه كرئيس لمصر، حرصت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية الصادرة في لندن على نشر صورة قديمة يظهر فيها حسن البنا مؤسس تنظيم "الإخوان" وهو يقبل يد الملك السعودي المؤسس عبدالعزيز آل سعود.

أرادت الصحيفة أن تظهر من تلك الصورة طبيعة ذلك التنظيم ونزعته البراغماتية المثيرة للاهتمام، وأرادت أيضاً أن تضع قيداً على ما تعرف أنه سيحصل من استهداف "إخواني" أو عمل مدبر ضد الدولة السعودية، يستهدف توسيع رقعة نفوذ التنظيم، نحو تحقيق "أستاذية" العالم؛ أي "الهيمنة والحكم باسم الخلافة الإسلامية".

تأذت الحكومة السعودية كثيراً، لأن رموز "الإخوان" السعوديين انضموا إلى ما عُرف بـ"انتفاضة الصحوة الإسلامية" ضد نشر قوات أجنبية لإخراج صدام من الكويت في مطلع التسعينيات الفائتة، كما انزعجت أيضاً من حض رموز "إخوانية" على دعم بعض المطالب السياسية، في عام 2011، على عكس إرادة الحكومة.

تقيم السلطات السعودية نظاماً محافظاً على الصعيدين الديني والاجتماعي، وتتلقى بسبب ذلك انتقادات حادة من الداخل والخارج، لذلك فإنها لا تترك فرصة واسعة لـ"الإخوان" للمراهنة على "الدعاوى الإسلاموية"، المتعلقة بمظاهر التدين وطبيعة التعامل مع المرأة، كما يفعل "إخوان" الإمارات والبحرين والكويت. ولذلك، فإن الرياض تشعر بانزعاج كبير من التحركات "الإخوانية" الداخلية، لأنها تدرك أن هدفها ليس سوى خلخلة الأوضاع بغرض الوصول يوماً ما إلى السلطة.

كثيرون لم يستوعبوا سر الهجوم الضاري للفريق ضاحي خلفان قائد الشرطة في دبي على تنظيم "الإخوان" منذ اعتلائه السلطة في مصر، لكن الذين يعرفون أن الأمن المصري أطلع نظيره الإماراتي على ما قيل إنه براهين على تمويل جمعية "الإصلاح" (ينظر إليها بوصفها الفرع الإماراتي لتنظيم "الإخوان")، عمليات قام بها تنظيم "الجهاد" الإرهابي في مصر مطلع تسعينيات القرن الفائت، لم يندهشوا كثيراً.

تمثل جمعية "الإصلاح" الإماراتية مرتكزاً "إخوانياً" لمعارضة الأسرة الحاكمة في الإمارات، وتنسق تنسيقاً كاملاً مع التنظيم المصري، حتى إن حكومة مرسي انتفضت وأرسلت وفداً رئاسياً رفيعاً إلى أبو ظبي، لحث الحكومة الإماراتية على الإفراج عن بعض العناصر المصرية "الإخوانية"، التي تم توقيفها في قضايا تخص أمن الدولة الإماراتية خلال رئاسة مرسي، وهي عناصر تتهمها تحريات الأمن الإماراتي بالاشتراك في أنشطة تزعزع أمن الدولة.

لم تستجب السلطات الإماراتية للمطلب الرئاسي المصري آنذاك، ومضت في طريقها لمحاكمة العناصر الموقوفة؛ وهو الأمر الذي استدعى هجوماً ضارياً على الدولة الإماراتية شنه القيادي الإخواني عصام العريان، انطلاقاً من مجلس الشورى (الغرفة البرلمانية الثانية) في عهد مرسي.

يرى البعض أن سلطنة عمان ستكون بمنأى عن التأثير "الإخواني"، بسبب هيمنة المذهب الإباضي في هذا البلد، لكن هذا الاستخلاص يحتاج إلى مراجعة. من يتابع حركة الشباب العماني على وسائط التواصل الاجتماعي، يجد درجة من التأييد لتنظيم "الإخوان" لافتة للنظر، وبعض الناشطين الذين تم توقيفهم في الانتفاضة التي شهدتها البلاد في عام 2011 من ذوي الميول "الإخوانية".

وفي قطر، لا يمكن النظر إلى حل جماعة "الإخوان" نفسها هناك بوصفه انتهاء للأثر "الإخواني"، لكن المؤكد أنه قرار تكتيكي، تم اتخاذه في ضوء رعاية الحكومة القطرية لـ"الإخوان" في الخارج، على أن يتوقفوا عن العمل العلني في الداخل.

يشن "الإخوان" الخليجيون حرباً على "خريطة طريق المستقبل" في مصر، ويدعمون الحراك "الإخواني" الرامي إلى تفجير الأوضاع في هذا البلد المحوري، عبر سحب الدولة إلى الفشل والركوع، لاستعادة الحكم الذي فقدوه إثر هبة شعبية نادرة ومذهلة.

يفعل "إخوان" الخليج هذا للدفاع عن مصالحهم التي تتمثل بتفعيل رؤيتهم، وتنفيذ مشروعهم... أما مشروعهم فيتعلق بالوصول إلى حكم بلدان هذه المنطقة، مهما كانت العواقب والمخاطر والأثمان. لذلك، فإن دول الخليج التي تساعد مصر الآن لإنجاز تحول ديمقراطي بعيداً عن الفاشية الدينية، إنما تساعد نفسها... وتدافع عن نفسها.

* كاتب مصري

back to top