«راح» مجلس حقبة التشريعات الذهبية كما بشّرنا الوزير "الفاهم" محمد العبدالله وأخذ معه في طريقه "الكومبارس الأخرس" المسمى "المجلس البلدي" الذي لم يبدأ حتى انتهى رحمه الله.

Ad

لقد كان الجواب أمام أعيننا طوال منذ عام 2005 ولم ينتبه إليه الكثيرون، إنه المجلس البلدي، فهو رغم تواضع صلاحياته وترتيبه في العملية السياسية فقد صدر قانون (5/ 2005) ليقضي على ما تبقى لذلك المجلس من صلاحيات، وشيئاً فشيئاً تراجع الاهتمام بالمجلس البلدي، ولم يعد أحد يكترث به غير الحالمين بالإصلاح في محميات الفساد أو الطامحين للوثوب إلى مجلس الأمة، لقد مات المجلس البلدي من الداخل وما ترونه مجرد هيكل خارجي يعمل بطريقة ميكانيكية.

نفس الشيء يتكرر الآن مع مجلس الأمة فقد خرج إلى الدنيا بعد معركة "تقصيص صلاحيات" وتوفير ضمانات للحكومة ليس لها أول من آخر، ويكفي أنها لا تخضع لتصويت منح الثقة في مجلس الأمة حتى تباشر أعمالها، ورئيسها لا يمكن عزله بالتصويت ولكن يترك أمره لرئيس الدولة إن شاء أبقاه وإن شاء عزله، كل تلك الضمانات وغيرها الكثير في الدستور واللائحة الداخلية لم تكن كافية لجعل "ترمومتر الشيخة" يتأرجح في المستويات الدنيا، وأدخلونا في سلسلة من المتاهات والإجراءات رغم توافر "الأغلبيات" الموالية للحكومة في جميع مجالس الأمة، فقط لأن مجموعة صغيرة من النواب المتنورين امتلكوا من الصدق والحجج ما يكفي لقلب الرأي العام ضدهم.

إن مثال "الكومبارس الأخرس" أو المجلس البلدي لا يفارق تفكيري منذ أن رأيته يشطب من المشهد ولا يجد أحداً من الجمهور يصيح متأسياً عليه "حرام خلوه كان مونسنا" لأنه، أي "الكومبارس الأخرس" لا قيمة له ومن الممكن استبداله بأخرس آخر يرى ويسمع ويتلقى الصفعات ويتجرجر من أبطال الفيلم وهو "منخرس"، ومجلس الأمة لدينا قطع شوطاً طويلاً في طريق "الخرس" في عملية قهقرية محزنة لصاحب دور "ممثل سلطة الشعب" إلى ممثل سلطة ثانوية تعمل في أجواء مشوبة بالبطلان المتكرر والعبث المتواصل "لتحجيم" دورها في المشهد السياسي.

لقد تساوت الآمال الضعيفة للإصلاح في الاتجاهين، المشاركة أو المقاطعة، بعد حكم المحكمة الدستورية في مرسوم تعديل آلية التصويت، مع ميل واضح لكفة السلطة التي تملك معظم مفاتيح الإصلاح وتغيير قواعد اللعبة متى ما أرادت، فمن يرد المشاركة بعد المقاطعة بحجة التحصين والاتكال على "بقعة الضوء" المتمثلة بتأكيد المحكمة الدستورية بسط سلطاتها على مراسيم الضرورة وحق تقدير أسباب الضرورة، فعليه مهام ثقيلة أبسطها إقناع الناس بالمشاركة في انتخابات لن تبطل من جديد وستجرى في شهر رمضان "بعد"، وتقديم شيء مختلف مع تركيبة نواب ما زالت مجهولة والعمل تحت سيف مصلت اسمه "مراسيم ضرورة".

أما من يرد المشاركة بعد أن شارك في الانتخابات السابقة "المبطلة" فهو الآخر أمام تجربة انتهت للتو لأوضاع مثالية لم يكن فيها مؤزمون، ووصول مجموعة نواب يزعمون تحقيق التعاون مع حكومة روجت "إفك" القطيعة مع عهود التخلف وأساليب المحاصصة والترضيات، ورغم ذلك لم يتحقق غير مواصلة التأزيم والإخفاقات، من هنا فإن ثنائية (المشاركة-المقاطعة) لم تعد هي مادة الصراع الأولى كما جرى في الانتخابات الماضية، والجديد هو متى سيبطل المجلس القادم؟

في الختام، فكما كان الأمر من قبل اختيارياً فهو اليوم كذلك، من يرد المشاركة فليشارك ومن يرد المقاطعة فليقاطع، عن نفسي لن أشارك في نظام انتخابي فصَّلته لي الحكومة دون أن يكون للسلطة التشريعية رأي فيه، نظام "سمح فيه لي" باختيار مرشح واحد في دائرة ينجح فيها عشرة مرشحين!