أول العمود:

Ad

أي مظهر لفساد برلماني يأتي من بوابة الوزارة.

***

ماذا يعني في بلد غير صناعي أو منتج مثل الكويت أن تكون كلفة رواتب موظفي القطاع الحكومي 10 مليارات و399 مليون دينار، أي نصف الميزانية العامة تقريبا، وماذا يعني أيضا أن يكون فائض ميزانية السنة المالية الفائتة مايقارب الـ11 مليار دينار، وأن يكون مصدر تغذية الميزانية المالية للدولة لسنة 2012- 2013 من النفط وبما مقداره 20 مليار دينار، بينما المصادرغير النفطية تتجاور مليارا واحدا بقليل.

هذه أرقام تدل على خلل كارثي يهدد أمن الدولة الاستراتيجي، إذ يبلغ تعداد الموظفين في القطاعات الحكومية اليوم 394 ألف فرد من مواطنين وغيرهم من الجنسيات، ويشكلون 94% في المئة من قوة العمل والباقي في القطاع الخاص المهمل. وتنشر الصحافة المحلية بين حين وآخر أخبارا عن ضعف إنتاج الموظف الحكومي، واستهتار أعداد هامة منهم بالوقت والأداء عبر الإجازات والتغيب والاستهتار بقيم الوظيفة. ويشتكي المواطن العادي من سوء الخدمات العامة التى يصرف عليها مبالغ طائلة من دون مردود يحقق الرضا كما هي الحال مع الصرف على الصحة والتعليم اللذين يعدان من أسوأ القطاعات التي تقدم الخدمات المجانية للمواطن بدليل الهروب إلى المدارس والمستشفيات الخاصة.

وهناك أيضا مسألة الفوائض المالية التى يتكرر الحديث حولها مع بداية كل ميزانية عامة، والتي تأتي من ارتفاع أسعار النفط وليس من قوة العمل المحلية، وتحقق في آخر ميزانية ما يزيد على الـ10 مليارات دينار بقليل، وهو ما يعني عدم قدرة الدولة على توظيف المال في التنمية الحقيقية في مجالات مطلوبة بسبب ترهل الأجهزة المعنية بالتنمية، وهذه أزمة حقيقية يقف وراءها الامتعاض الشعبي من تأخر البلد وتعثره في تحقيق تقدم يذكر.

نحن اليوم لسنا بحاجة إلى قرار وزير في وزارته، أو مبادرة رئيس هيئة في شأن يخص مؤسسته، نحن نواجه أزمة اقتصادية بحاجة إلى تضحية سياسية تتمثل بتخلي الدولة عن البحث عن الاستقرار الداخلي عبر ضخ الأموال في خدمات رديئة لا ينتج عنها سوى مزيد من عدم الرضا الشعبي. ومستقبلا لن تتوافر الفرص التي يوفرها سعر برميل البترول اليوم، وكما قلنا سابقا إن حال الوزارات والهيئات الحكومية لا يخدم الاستقرار السياسي بسبب أنها أجهزة معطوبة، فهي كالمنخل أو "الجربة المخرومة"، فبقدر ما يسكب فيها من أموال نجد عكس ما نتوقعه.

المال الكويتي على كرمه وفوائضه لا يستطيع اليوم خدمة العملية السياسية، وغير قادر على تحقيق الاستقرار لتعويم ملف التنمية، وتكمن المسألة في طبيعة الإدارة العامة التي تفتقد للطريقة السليمة لاختيار طاقم مجلس الوزراء، ومنع الفساد، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة لتسيير مصالح الناس اليومية.