ما تم ضبطه في جرائم رشوة الناخبين في الدائرة الثالثة أو الرابعة هو مجرد حالات عرضية عادية جداً وليست شذوذاً إجرامياً، ولا داعي للفرح والتهليل لعين القانون المفتحة على جرائم التزوير في إرادة الأمة. بداية يجب توجيه الشكر إلى وزارة الداخلية وضباط المباحث على جهدهم الكبير في صيد الأيام الماضية، وأقول لهم "ما قصرتوا" لكن واقع الأمر أنكم ضبطتم الذيول والأطراف وليس رؤوس وقلوب الفتنة والرشوة، فهؤلاء "الكبار" ملوك شراء الذمم والإفساد لا يمكن ضبطهم ولا يمكن محاسبتهم، فهم فوق القانون وفوق سيادته، فهم وليس غيرهم أصحاب السيادة، هم الدولة، والسلطة، والسلطة التي ضبطت عوير وزوير في جرائم الانتخابات بالأمس لا تضبط نفسها في الجرم المشهود، ومن سيكون "المخبر" الذي سيستلم النقود من الراشين، وكيف سيتم معرفتهم؟! فليس بالضرورة أن يقوم ملوك الرشوة بتقديم المال النقدي كما حدث في تهم الأيام الماضية، فهذه لعبة الصغار الساذجة، وهم لا يلعبون بتلك السذاجة، فالتوزيعات النقدية لا تتم عندهم بتلك الصورة، فيمكن إخراجها بطرق أذكى وأكثر لباقة من الذين اتهموا بالأمس وإلا ما معنى "صناديق الخير" شبه الرسمية التي ذكرتها جريدة الجريدة أكثر من مرة في مانشيتات عريضة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، ليس بالضرورة أن يكون مقابل الصوت الانتخابي حزمة أنواط نقدية ساخنة، يمكن أن نتصور المقابل بخدمات ووعود بخدمات تتم في إدارات ودهاليز الدولة البيروقراطية والتي تضج بالفسادين الإداري والمالي.

Ad

صور كثيرة "لدهان سير" و"تضبيط" الناخبين مقابل أن يخرج لنا حفنة من نواب "مسرح العرائس" الذين يتم تحريكهم من أعلى، ومن فوق خشبة المسرح بأيدي وأصابع أكبرها وأسمنها، يحركونهم ليقدموا استعراضاتهم ومعاركهم بالرقابة والمساءلة البرلمانية بالنيابة عن الأصيلين، ليس من أجل الصالح العام وإنما من أجل عيون الطالح العام وتصفية حسابات قديمة عند أهل الحكم، في لعبة إزاحة الشيخ الفلاني ليحل مكانه شيخ آخر في سلم الأولويات السلطوية للحكم... فصراع وثورات القصور لم تعد تتم داخل القصور كما كانت أيام زمان، وإنما يمكن أن تحدث في مكان آخر مثل مبنى البرلمان "الشكلي"، وعبر نواب مخلب القط الذين سيكونون جاهزين لأداء الدور المطلوب منهم، وسيردون في الوقت المناسب الجميل "لمعازيبهم" الذين لم يخصصوا أكشاكاً صغيرة فقط لدفع المعلوم لهم ولناخبيهم وإنما وظفوا الدولة كلها وبكل أجهزتها المالية والإدارية لهم...! وشاهدت، قبل أيام، في لقاء تلفزيوني لـ "بي بي سي" عينة حية من تلك الشاكلة المخزية للنواب، الذين جل همهم وكل وظيفتهم أو "وظيفتهن" أن يفرشوا السجاد الأحمر لشيخ سابق حتى يعود لأضواء الحكم الساطعة مقابل إزاحة هذا أو ذاك الشيخ... وكأننا أمام لعبة كراسي متحركة لأطفال في روضة، وليس في دولة، ويفترض أن لها مؤسسات ثابتة ويقيناً قانونياً، وليس أمزجة وأهواء سلطانية تحرك السياسة والاقتصاد.

عن أي رشوة وأي فساد ضبط بالأمس في الدائرة الثالثة والرابعة فتلك حكايات مضحكة؟ والمأساة أن الكويت كلها أضحت دائرة واحدة مغلقة لدبلوماسية وسياسة الدينار.