من أنت؟!

نشر في 09-04-2013
آخر تحديث 09-04-2013 | 00:01
ذات الإنسان ليست مرتهنة أبداً باسمه أو أصله أو طائفته أو عمله أو منصبه ومكانته، وذات المرأة، وأذكرها بالذات لما لها من خصوصية في مجتمعاتنا الشرقية، ليست مرتهنة بذات أي من الرجال الذين في حياتها، سواء كان هذا الرجل أباً أو أخاً أو زوجاً.
 د. ساجد العبدلي من أنت؟ سؤال سهل في ظاهره وربما ساذج نوعاً ما، لكنه صعب جداً ومهم كثيراً في واقع إجابته، والتي هي إجابة حمالة لعشرات الأوجه بل المئات وربما الآلاف، ويكفي على ذلك دليلاً أن يقوم كل واحد منكم بتوجيهه إلى من حوله تباعاً، ثم يجلس يستمع للإجابات المتنوعة التي ستأتيه، وأن يلاحظ في ذات الوقت طيف الزوايا المختلفة التي سينطلق منها كل مجيب!

حين أقول من أنت؟ فلست أعني السؤال عن اسمك أو أصلك أو فصلك أو عملك أو ما شابه، إنما مرادي أن أسأل عن الإنسان الذي أنت هو، بأفكاره وأهدافه وآماله وطموحاته وأحلامه... مرادي أن أسأل عن تلك المكونات التي تحقق ذاتك الإنسانية وتعطيك عميق الإحساس بأنك تحتل مساحتك البشرية المقنعة لك شخصياً على هذه الأرض، والتي تشعر من خلالها بأنك موجود حقاً كعنصر فعال في معادلة الحياة.

هل رأيتم الآن كم هو صعب ومهم في واقع إجابته عن هذا السؤال السهل الساذج في ظاهره؟!

مما يلفت النظر أن الغربيين أكثر قدرة على التعامل مع مثل هذا النوع من الأسئلة شيئاً ما، ولا أقصد أنهم يأتون بإجابات خارقة أو مميزة، إنما المقصد أنهم يعرفون كيف يتداولون السؤال ويفكرون بإجابته من زاوية أكثر عمقاً من زوايا تفكيرنا نحن العرب الذين لا نتداوله بالشكل السليم، حيث ننطلق غالباً من زوايا الإجابات السطحية أو الشكلية الظاهرية كالاسم والعمل والانتماء العرقي أو الطائفي، أو ربما السياسي في أبعد الحالات، ولعل مرد ذلك أن من أساسات الثقافة الغربية حرية الفرد في تصرفاته وقبلها في تعبيره عن ذاته، وعما يريد أن يحقق أو يفعل من أمانٍ وطموحات وأحلام كبيرة كانت أم صغيرة، وأعترف أن ذلك يصل عندهم إلى مستويات شاذة في كثير من الأحيان، في حين أن ثقافتنا، المعاصرة على الأقل، تتجاهل حرية الفرد إن لم تكن تسحقها، وتعلي من شأن التبعية والانتماء والانضواء والانصهار في المجموع!

ليست هذه دعوة إلى أن يشطح الواحد منّا كشطحات الغرب في مسألة الحريات الفردية أبداً، ولكنها دعوة مركزة على فكرة السعي إلى اكتشاف الذات واستظهار آمالها وطموحاتها وأحلامها على مستواها الفردي، والتخلص في موازاة ذلك من قيود التبعية المطلقة للآخر، أياً كان هذا الآخر، شخصاً أو عرقاً أو طائفة أو ما شابه.

ذات الإنسان ليست مرتهنة أبداً باسمه أو أصله أو طائفته أو عمله أو منصبه ومكانته، وذات المرأة، وأذكرها بالذات لما لها من خصوصية في مجتمعاتنا الشرقية، ليست مرتهنة بذات أي من الرجال الذين في حياتها، سواء كان هذا الرجل أباً أو أخاً أو زوجاً.

من اللازم يا سادتي أن يصبح الواحد منا قادراً على تناول هذا السؤال حين يأتيه. من أنت؟ وقادراً على أن يفكر به بشكل سليم وأن ينطلق بعدها لإجابته من زاوية متميزة.

من أنت؟ سؤال مهم حقاً، بل لعله سؤال الأسئلة.

back to top