حتى يعطي لنواياه، التي لم يُثبتْ أنها حسنة حتى الآن، المصداقية المطلوبة، فإن على الرئيس الإيراني حسن روحاني أن يتقدم خطوة واحدة تجاه كل ما قاله، فالحكمة التي كان أطلقها رمز الشيوعية العالمية التي غربت شمسها فلاديمير إليتش لينين تقول: "إنَّ خطوة عملية واحدة خير من دزينة من التنظيرات"، والكلام المعسول الذي أمطرنا به هذا المعمم الذي جيء به أساساً ليخرج إيران من عزلتها ومن النفق المظلم الذي أدخلها فيه محمود أحمدي نجاد سيذهب أدراج الرياح إنْ لم يتبع بمواقف جدية وفعلية.

Ad

إنه لم يعد ممكناً مواجهة معسول كلام روحاني بالقول: "إلْحق العيّار إلى باب الدار"، فهناك تجارب كثيرة في عهد هاشمي رفسنجاني وفي عهد محمد خاتمي وأيضاً في عهد حسين موسوي أثبتت أنه لا قيمة للأقوال بدون أفعال، وأن على هذا الرئيس الإيراني المعمم أن يرفق أقواله ولو بنصف خطوة عملية في الاتجاه الصحيح؛ ليثبت لأهل هذه المنطقة أن إيران، بعد كل هذه التجربة الطويلة من محاولات تصدير الثورة الخمينية إلى دول الجوار وكلها دول عربية، قد اكتفت من الغنيمة بالإياب وأنها بدأت بطيِّ صفحة سوداء ماضية، وهي جادَّة بالفعل في فتح صفحة جديدة.

كيف من الممكن أن نصدق كل هذا الذي قاله، ومستمر في قوله، حسن روحاني، بينما قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني لا يزال في دمشق يدير غرفة العمليات العسكرية التابعة للرئيس السوري بشار الأسد، وبينما لا يزال رجال "الباسيج" ينتشرون في جبهات القتال من حلب شمالاً حتى درعا في الجنوب، وبينما أيضاً هناك الكتائب المذهبية المرتبطة بالولي الفقيه التي جاءت من العراق واليمن والبحرين... وبالطبع من لبنان، حزب الله، تواصل القتال الذي كانت بدأته منذ البدايات بحجة الدفاع عن المقامات الشيعية بينما كل الحقائق تؤكد أنه دفاع عن نظام دكتاتوري قاتل وبدافع طائفي مقيت.

حتى يصدق أهل هذه المنطقة، المبتلاه بالتدخل الإيراني الذي تجاوز كل الحدود، كل هذا الكلام المعسول والجميل الذي "أسْكر" به الشيخ روحاني حتى باراك أوباما الذي أثبت أنه بحاجة إلى المزيد من الوقت ليُلمَّ بألاعيب هذا الشرق ومناوراته، فإن على الرئيس الإيراني الجديد إعطاء ولو بعض المصداقية لما قاله ولا يزال يقوله، بأن يوقف تلاعب المخابرات الإيرانية بالنسيج الاجتماعي العراقي، وأنَّ عليه أن يبدأ ولو بمجرد خطوة عملية واحدة لوقف تدخل بلاده السافر في شؤون بلاد الرافدين الداخلية... هذا التدخل الذي هو السبب الرئيسي لكل هذا العنف المدمر الذي بات يجتاح هذه البلاد، ويتنقل يومياً وفي كل ساعة في مدنها وقراها.

إمَّا أنّ "توجُّه" حسن روحاني جديٌّ وأنه يدل على تراجع تأثير الولي الفقيه وتراخي قبضته، وهذا في حقيقة الأمر مستبعدٌ جداً، ولا يزال دونه جرّ الحلاقيم، وإما أن القصة من أولها إلى آخرها هي مجرد علاقات عامة وأن الرئيس الإيراني الجديد أراد، متأثراً بنظرية: "تصفير الخلافات"، التي ابتدعها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو التي فشلت فشلاً ذريعاً، أن يعطي لنفسه مرحلة التقاط أنفاس قبل استئناف السياسة الحالية المقررة سلفاً منذ انتصار الثورة الإيرانية في عام 1979.

إن شعوب هذه المنطقة وأنظمتها لم تعد، بعد تجارب مريرة وقاسية، تصدق ما يقوله الإيرانيون بالنسبة إلى علاقات بلادهم بالدول العربية المجاورة والمتاخمة وأيضاً البعيدة، وبخاصة أن هناك ما يسمى "التقيَّة" التي تسمح للمسؤول الإيراني أن يقول شيئاً وأن يفعل ضده في الوقت ذاته، ولهذا فإن على الشيخ روحاني أن يقرن الأقوال ببعض الأفعال، وأول هذه الأفعال أن يبادر إلى وضع حد لتدخل بلاده السافر، عسكرياً وأمنياً وسياسياً... وبكل شيء، في الأوضاع السورية الملتهبة وليس بمقدار خطوة حسن نوايا واحدة إنما بمقدار أنملة فقط!!