ليس عبد الكريم مجدل بيك الوحيد الذي يرسم واقع الأحداث العاصفة في سورية، فالعنف فرض نفسه على معظم الأعمال التشكيلية السورية، ومن بينها لوحات بيك الذي سبق أن عرض أكثر من لوحة تعبر عن المأساة السورية. في معرضه الجديد «مقابل الحائط الثاني» في «أيام» دبي، يكشف الفنان السوري الغطاء والقناع عن قصص وتواريخ مخفية تقبع في ثنايا «فن الشارع» (الغرافيتي)، والنقوش والعلامات التي يمكن العثور عليها على جدران مدينة دمشق القديمة، حيث يدوّنها لاحقاً في لوحات تعبيرية مميزة.
فيما استخدم بيك نطاقاً محصوراً من المواد في أعماله السابقة وألوان الأبيض والأسود والرمادي فقط، نراه يوظف في أعماله الجديدة مجموعة أوسع من الألوان ويستخدم تشكيلة لافتة من الرموز كالصلبان الصغيرة والمسدسات والسكاكين فوق سطوح مرقعة بالغرز كتعبير جسدي عن الاضطرابات التي تعانيها سورية راهناً. مشهد يستوحي الذعر الذي يحضر في ثنايا المدن السورية، مشهد أغرب من الخيال تقوله الأشياء المدماة أو المنسية.يظهر معرض «مقابل الحائط الثاني» خسارة حتمية للسذاجة نظراً إلى مرور الوقت وكنتيجة للصراع الدموي الدائر والمستمر في سورية على حد سواء، فالعنف الذي تشهده دمشق والذي أصبح جلياً في بنيان المدينة الممزق والمليء بالندب ظاهر بالمثل في أعمال مجدل بيك. فهو لم يعد خاضعاً بعد الآن، حيث تتخلل لوحاته ضربات جريئة من الألوان ومناطق مشبعة بمساحات من اللون الأحمر. العلامات التي غطت في يوم من الأيام جدران المدينة من تصريحات عاطفية واحتجاجات المراهقين المحبطين، وأسماء محفورة للأجيال القادمة، وإشعارات الجنازات والمآتم، ومنشورات البلدية ولافتات للإيجار، قد استبدلت بتعليق سياسي أكثر انخراطاً.القتل العادييستحضر الفنان العدد الهائل من الصلبان البيضاء في عمل «فزاعة»، تلك التي تركها مشيعون في مكان موت شخص عزيز، هي الصورة اليومية في المشهد السوري، حيث أصبحت تعيش في دائرة «القتل العادي» كما يسميه الروائي بيتر هاندكة، أو هي في مرحلة بات الشر «مبتذلاً» وعادياً ومألوفاً، تلك هي المعادلة الصعبة التي توخز الضمير، فصور القتل اليومية المتوافرة للمشاهدين تسابق عمل الفنان وهي أشد فتكاً، وتجعل المرء يسأل: كيف يقدر الفنان على حمل الفرشاة أمام مشهد المآسي اليوم، الأرجح أنه الوجدان والضمير، فما تقوله اللوحات قد يشاهد في إطفاء نار الصراع، قد يحرك وجدان البشرية لاكتشاف وحشيتها اليومية.وفي عمل «ألم»، تنبثق أربعة صلبان صغيرة في أعلى اللوحة وسط انفجار من الأحمر والأسود، بينما يصنع الجدار المتصدع والغرز التي تقسم اللوحة حساً من العنف الملموس بشكل غير مريح. وفي عمل الفخ» تتدلى قطع من الورق من وجوه غير واضحة المعالم صنعت بالخيوط، شبيهة في هيئتها بالخنافس السوداء. وقد خربش عبر هذه القصاصات كلمات «آمان»، «استقرار»، «مقاومة»، مواجهة، كتعبير عن القوة والعزيمة، والالتزام بالقضية.شكلياً، بات لافتاً اهتمام الفنانين السوريين بظاهرة الغرافيتي كأحد أشكال الحداثة في الأعمال الفنية، فقبل أسابيع عرض الفنان تمام عزام «غرافيتي الحرية» في غاليري «أيام» ولاقت أصداء إيجابية، واليوم يعرض عبد الكريم مجدل بيك ويحضر في لوحاته طيف الغرافيتي.يستمر المعرض حتى 27 يونيو.
توابل - ثقافات
«مقابل الحائط الثاني»... سكاكين ومسدسات ومدينة ممزّقة
15-05-2013