هل يعقل أنه بعد قرن من التجارب الديمقراطية المتعاقبة وبعد أكثر من خمسين عاماً على الاستقلال والعمل بالدستور نعيش دوامة من الأزمات السياسية المتتالية، وترتكب الأخطاء تلو الأخطاء لنعود بعدها إلى نقطة الصفر في حالة من العبث السياسي وإلهاء الناس في لعبة باتت سمجة ومملة؟!

Ad

نعم قد تكون المماحكات السياسية باستعراضاتها وتكتيكاتها وروح التحدي فيها متعة للحكومة من جهة، وبعض القوى السياسية من جهة أخرى، وفيها نوع من اللذة السياسية المصحوبة بالصخب الإعلامي والحراك الميداني أو بمعنى آخر "شغل سياسيين"، وبغض النظر عن أي طرف على حق، ولكن الضحية الرئيسة هم العوام من الناس أو من يطلق عليهم الأغلبية الصامتة، فهذه الشريحة تحديداً هي من تعكس الحالة النفسية والمعنوية للمجتمع والدولة.

فهل أصبحنا من السذاجة والغباء أن تكون عندنا مؤسسات قانونية وفنية صرفت عليها الأموال الطائلة وجيش من المستشارين، ليحولوا حياة الناس إلى مسخرة، وفي كل مرة نتيجة لخطأ إجرائي لا يتعدى كلمة أو تاريخاً؟ وهل تحولت حياتنا السياسية أيضاً إلى طوابير الانتظار والوقوف كل بضعة أشهر أمام صناديق الاقتراع، كالانتظار أمام طوابير التوظيف والسكن والعيادات الخارجية وغرف الطوارئ في المستشفيات، ونحن في بلد يسمى بالدولة الريعية وفوائضنا المالية تجاوزت مئات المليارات من الدنانير في السنوات الخمس الأخيرة فقط؟!

وهل الخلل فعلاً في ثقافة الناس ومعايير اختيارهم التي صارت متناقضة حتى النخاع خلال أشهر محدودة، ففي عام 2012 وحده تم انتخاب مجلسين أحدهما غص بالمعارضة والمتشددين و"التأزيميين" والآخر غص بالملكيين أكثر من الملك ممن لا حول لهم ولا قوة ولا أظافر ولا أنياباً، وكان مصير المجلسين معاً الإلغاء من الوجود واعتبارهما كأن لم يكونا، وإذا بهذا الصخب السياسي والأعراس الديمقراطية وممارسة الحقوق السياسية وأداء الواجب الوطني والبرامج الانتخابية والصور والبروشورات والدعايات والمقابلات التلفزيونية والاستعراضات البهلوانية تحت "قبة عبدالله السالم" كل ذلك مجرد نكتة سياسية؟!... والمزحة الكبرى أننا نتباهى في كل مرة بأننا أحسنَّا الاختيار!

ومنذ عام 2003 حتى الآن، وفي أقل من عقد من الزمن تم انتخاب ستة برلمانات، وكتجربة حياتية يفترض أن من انتخب لأول مرة في حياته عام 2003 وهو إما طالب جامعي أو في أول سنة من عمره الوظيفي أن ينتخب في المرة السادسة، وهو في مرحلة التقاعد بعدما مرت عليه خمس خطط تنموية وخطتان استراتيجيتان بعيدتا المدى!

وأما الحقيقة المؤلمة فكانت طوال هذا العقد تقتصر على سؤال واحد فقط هو: هل يكمل المجلس مدته؟ والجواب في كل مرة كان "لا" كبيرة لا يقبلها أي منطق أو عقل منصف.

نعم قد تكون المحكمة الدستورية قد حسمت الجدل حول آلية التصويت، ولكن التحدي الأكبر هو من سيشارك؟ وكم تصل نسبة المشاركة؟ وتحول هذا السؤال إلى صراع وتنابز بين فريقين كل فريق يحسب أن المشاركة أو المقاطعة انتصار له وحده!

لكن هل تعلم عزيزي القارئ أن نسبة المشاركة في انتخابات مجالس الأمة في الكويت- باستثناء سنة التزوير عام 1967- كانت تتراوح ما بين 83% إلى 90%؟ وحتى نعيد هذه النسبة إلى الحياة بعدما وصلت إلى 38% هناك الكثير يجب عمله من كل الأطراف الحكومية والشعبية!