الخطر الطائفي ومسؤولية حكماء الأمة

نشر في 17-06-2013
آخر تحديث 17-06-2013 | 00:01
 د. عبدالحميد الأنصاري يريدها حزب الله فتنة "طائفية" يستثمر فيها مشاعر الكراهية المتبادلة بين الجانبين لتجنيد أبناء الطائفة في ميليشياته، ويريده النظام السوري صراعاً "طائفياً" ليثبت ادعاءه للعالم بأن ما يحصل في سورية ليس ثورة شعب يريد الحرية والكرامة إنما هو صراع طائفي من قبل جهاديين تكفيريين سنّة، كما تريده إيران تعصباً طائفياً لاختطاف الشيعة العرب من أوطانهم وتحويلهم إلى قنابل موقوتة.

 هؤلاء جميعاً من مصلحتهم تغذية النزعات التعصبية، ولكن ما مصلحة الأغلبية السنيّة في تصوير ما يحصل في سورية بعد تدخل حزب الله بأنه "صراع طائفي"؟! وما المصلحة العربية والإسلامية في تصوير المجازر التي يرتكبها النظام السوري وحليفه حزب الله ضد أهالي سورية بأنها "حرب على السنّة"؟!

 في مقالي السابق "حزب الله لا يمثل الشيعة" ذكرت أن تدخل الحزب في الشأن السوري جاء بأوامر عليا من طهران طبقاً للشيخ صبحي الطفيلي، أول أمين عام لحزب الله وأحد أبرز مؤسسيه، بأن الحزب دخل المستنقع السوري مرغماً "بقرار إيراني"، فسقوط النظام السوري سقوط لنفوذ إيران ومصالحها وتمددها في المنطقة. فقد عملت إيران على ترسيخ هذا الوجود عبر البوابة السورية على امتداد 3 عقود واستثمرت المليارات الهائلة؛ ولذلك فإن سقوط النظام يمثل كارثة فادحة لكل ما بنته إيران واستثمرته في المنطقة، فضلاً عن أن النظام السوري هو الجسر الممتد للمصالح الإيرانية الحيوية إلى جنوب لبنان مروراً بعراق نوري المالكي، أو هو الحلقة الناظمة للحلقات الأخرى، وكسرها كسر لكل الحلقات المرتبطة بالنفوذ الإيراني، وخسارة سورية معناها انكماش إيران وعزلتها وانقطاع خطوط إمدادها بحزب الله؛ مما يفقدها ورقة المتاجرة بالقضية الفلسطينية التي توظفها في ملفها النووي مع المجتمع الدولي.

 كانت أوامر الولي الفقه حاسمة للسيد حسن نصر الله بالانخراط كلياً في الحرب ومهما كان الثمن، ومن هذا المنطلق السياسي والمصلحي كان تدخل الحزب وانزلاقه في الشأن السوري، وليس من المنطلق المذهبي الذي يصعد وينفخ في ناره أناس من عندنا ومن عندهم.

 لقد أحسن الذين اجتمعوا في مؤتمر "نصرة سورية" في القاهرة، وهم من 70 منظمة وجمعية إسلامية في مطالبتهم بوجوب نصرة الشعب السوري بكل أنواع الدعم، وبكل ما من شأنه إنقاذ الشعب السوري من قبضة النظام العدواني الذي قتل منه ما يزيد على مئة ألف غير الملايين المهجرة، كما أحسنوا في مطالبتهم بمقاطعة الدول الداعمة للنظام وعلى رأسها روسيا وإيران، كما أن مطالبتهم الحكومات العربية والغربية بموقف حازم ضد النظام السوري وضرورة دعم الشعب السوري بالسلاح، مطالبة حق وعدل يجب دعمها شعبياً وسياسياً.

 إذ لا شك أن حزب الله بعدوانه على أهالي القصير قد ارتكب إجراماً يجب أن يحاسب عليه، وقد أسفر عن وجهه الحقيقي كحزب طائفي مسلح يخدم مصالح إيران -ولية نعمته- في المنطقة، ولا ننسى أن الحزب قد تورط من قبل في أعمال اغتيالات طالت رموزاً سياسية لبنانية معارضة للحزب وللنفوذ السوري في لبنان، وكان على رأسهم الشهيد رفيق الحريري عام 2005.

 وحزب الله بهذه الأعمال المشينة في الداخل اللبناني أو في الشأن السوري، قد أساء إلى نفسه وتاريخه وطائفته، ووضع عبئاً طويلا عليها يماثل العبء الذي تحمله الألمان عقب المجازر ضد اليهود، كما أساء الحزب إلى لبنان، وهو بالإجماع قد حكم على نفسه بالسقوط أخلاقياً وسياسياً ودينياً وقومياً.

 ولكن كل هذه الجرائم وكل هذه الأعمال المشينة استهدفت أهالي القصير السنّة، ليست مبرراً أو مسوغاً للقول بأن النظام السوري وحزب الله وإيران يقودون حرباً على "السنّة" لأن هذا النظام وحليفه حزب الله وولية نعمته إيران لا يتورعون عن ارتكاب جرائم حتى ضد الشيعة المعارضين وقد فعلوا، بل إن عدوان حزب الله على أبناء طائفته المعارضين لهو أشد وطأة من غيره.

 هذا أولاً، وثانياً: هناك رموز شيعية شجاعة قامت وتصدّت للحزب واستنكرت فعلته وتبرأت من أعماله، وقد ذكرت في المقال السابق منهم: السيد صبحي الطفيلي الذي انتقد الحزب متهماً إياه بالانزلاق في مسيرة "انحراف مخيفة"، والسقوط ضحية "تدجين إيراني" معيباً على الحزب وقوفه مع "الظالم" في مخالفة صريحة لثقافة الشيعة وعقيدتهم وأخلاقهم التي تقف مع المظلوم دائماً.

 والعلامة السيد هاني فحص الذي صرح بأن حزب الله استغل تخلي العرب عن لبنان وحوّل الشيعة إلى طائفة ريعية واستعان بالمال الإيراني، والسيد مقتدى الصدر الذي قال: إن الفتنة الطائفية لا ترضي الله ورسوله ولا يرضى أهل البيت بها، مبدياً استياءه مما يحدث من قتل المسلم لأخيه الذي يمثل نقطة سوداء في حياة الإسلام.

 وهناك السيد علي الأمين والسيد محمد الأمين، هؤلاء جميعاً وقفوا بشجاعة مستنكرين جرائم النظام ضد شعبه محذرين حزب الله من التدخل، ومؤخراً أرسل المرجع الأعلى السيستاني ناصحاً حسن نصرالله بضرورة سحب قواته فوراً لتجنيب المنطقة الاقتتال الطائفي لسنوات طويلة تكلف آلاف الضحايا وتجلب المآسي للشيعة والسنّة معاً، مضيفاً بأن التدخل العسكري للحزب كان سياسياً ولا علاقة له بالمقدسات الشيعية.

 واليوم يصرح الشيخ محمد الحاج حسن رئيس التيار الشيعي الحر، أن أكثر من 300 ألف شيعي في لبنان يعارضون سياسة حزب الله، وأضاف: أن الأرقام تتصاعد في ظل غضب الطائفة الشيعية في البلاد بعد تحول حزب الله إلى "حزب قاتل ودموي" بتدخله في الأزمة السورية.

 كما أن كتّاباً من الشيعة كتبوا مستنكرين فعلة حزب الله، وعندنا الكاتب الكويتي خليل علي حيدر الذي كتب مقالاً قوياً بعنوان "هزيمة لحزب الله في سورية"، قائلاً: إن انتصار الحزب في بلدة القصير، هزيمة مبدئية وأخلاقية كبرى للحزب وأنصاره، وقد تحول هذا الحزب إلى آله قمع وقتل لعرب ومسلمين يريدون التحرر من نظام شمولي وممارسة إرادتهم الوطنية.

 علينا في غمرة هذه النزعات الطائفية المتصاعدة أن نقدر هذه المواقف الشيعية الشجاعة، كما أن من مسؤولية الحكماء وأهل الاعتدال في الجانبين السعي لاحتواء الفتنة الطائفية وتحجيمها، والحكمة والتبصر في هذا الوقت الذي يتربص فيه الطرفان ببعضهما، أولى وأوجب.

 وقد يلمتس المرء أعذاراً للذين اجتمعوا في مؤتمر "نصرة سورية" تصريحاتهم المتشددة، والتي أراها رد فعل طبيعي لممارسات حزب الله الطائفية الاستفزازية التي تمثلت بإعلانها مدينة القصير "مدينة شيعية" ورفعها "راية الحسين" على مئذنة مسجد عمر بن الخطاب وسط هتافات طائفية. ولكن على عقلاء القوم وحكماء الأمة المسارعة إلى وأد الفتنة، فهذه مسؤوليتهم، وهذا دورهم، عليهم تدارك الأمور وعدم الانسياق أمام التأجيج الطائفي التعصبي وإلا فإن الجميع خاسر، إنه من السهل تأجيج الجماهير طائفياً، ومن الصعب كبح جماح التعصب في زمن ينضح بالكراهيات المتبادلة، ولكن هذه مسؤوليتنا وعلينا أن نتصدى لها وألا نترك الساحة للنزعات التعصبية، يقول الله تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة". فرح حزب الله بانتصاره في القصير ورقصوا ووزعوا الحلوى وتلقوا التهاني، وهم إنما رقصوا على دماء وأشلاء أبرياء شاركوا في ذبحهم بوحشية، وكان الأولى بهم أن يحزنوا، فقد سقطوا أخلاقياً ودينياً وأصبحوا في أعين معظم المسلمين، أعداء مكروهين.

 ختاماً: يبقى أن نشيد بالإجراءات العقابية الخليجية ضد حزب الله رداً على عدوانه السافر على الشعب السوري، وليت بقية الدول العربية تقتدي بالموقف الخليجي الحازم، أما مطالبة المؤتمر بمقاطعة إيران اقتصادياً، فالأولى بهم أن يطالبوا حكومة الإخوان بأن تغلق باب السياحة الإيرانية لمصر، وأن يكون لها موقف عملي في دعم الثورة السورية.

* كاتب قطري

back to top