وصل قبل أيام رجل الدين ووزير الأمن في بلاده الشيخ حيدر مصلحي قادماً من طهران إلى بغداد ليعقد اتفاقيات أمنية تبين مدى تبعية حكومة نوري المالكي لأسياده وصانعيه، فالاتفاقية لا تنص على تبادل الخبرات والقدرات الأمنية، أو الاشتراك في تطوير صناعة الأجهزة التجسسية الدقيقة، إنما تقتصر على بعض البنود التالية:

Ad

أ- تبادل المعلومات الأمنية.

ب- دورات تدريبية إيرانية للشرطة وعناصر الأمن العراقية.

ت- توريد إيران للعراق أسلحة ومعدات خفيفة، منها قنابل مسيلة للدموع، وأنواع من العصي الكهربائية.

ومما صرح به مصلحي أن الهدف من زيارته هو للتباحث مع "أعزائنا العراقيين" والتوصل إلى نتائج تخص أمن الدولتين والمنطقة، وأشار إلى التظاهرات والاعتصامات الجارية في محافظات عراقية عدة، بأن تكون بعيدة عن التدخلات الخارجية. وعلى خطى الترسيخ المحاصصي للطائفية السياسية، نص مصلحي على أن تعاون الأطياف العراقية من "الشيعة والسنّة والأكراد" بأنه مهم للغاية في حل أزمات العراق الداخلية.

يبدو أن العمامة الأمنية لمصلحي تحلل له التدخل الإجرامي الإيراني السافر منذ عشر سنوات، وتحرم دون ذاك، رغم أن جميع شعارات وهتافات المتظاهرين والمعتصمين تؤكد ألا تدخل خارجياً فيها، وأن وحدة العراق أرضاً وشعباً أمر مقدس، إلا أن السلوكية المتطرفة البغيضة هي هكذا، تحرف الثوابت فما بالك بأقوال البشر؟  

والأنكى من هذا وذاك، أن هذه الاتفاقية الأمنية المزعومة بين الدولتين، هي مدخل رسمي تمنحه حكومة الاحتلال الخامسة التي يرأسها الطائفي نوري المالكي، للتدخل الإيراني في الشأن العراقي الداخلي، ألم يقل سابقاً أكثر من مسؤول إيراني نحن مستعدون لفض التظاهرات والاعتصامات إن طلبت منا حكومة بغداد، وإلا ما معنى توريد السلاح الخفيف وتدريب الشرطة العراقية وعناصرها الأمنية داخل الدوائر الإيرانية؟ ولماذا استخدام المعدات من العصي الكهربائية والقنابل المسيلة للدموع إن لم تكن لضرب المدنيين المسالمين في تظاهراتهم واعتصاماتهم بطريقة وحشية دموية كما فعلتها حكومة الملالي بحق المحتجين من الإيرانيين تجاه نتائج الانتخابات لعام 2009؟

لقد اجتمع المالكي مع مصلحي، وفي نفس الوقت وداخل نفس المنطقة "الكرادة"، هجم نحو خمسين مسلحاً بالسكاكين والهراوات وأنابيب الحديد على أربع صحف عراقية هي: "الدستور"، و"المستقبل العراقي"، "والبينة الجديدة"، و"الناس"، وجرحوا فيها البعض، وضربوا البعض الآخر، وتم إحراق سيارة تابعة لصحيفة "المستقبل العراقي"؛ كل ذلك جرى في وضح النهار، وعلى الضفة الأخرى من اجتماع المالكي، لكن لم تنقل لنا أي من وسائل الإعلام خبراً عن اعتقال أو محاسبة أي من المهاجمين، بل مجرد تسريبات لاتهامات نسبوها إلى جماعة المرجع الديني الصرخي.

معنى هذا، أن الاتفاق الأمني المبرم بين المالكي ومصلحي لا يتعلق بنزاعات واختلافات البيت الواحد، البيت الطائفي الذي شيدوه ويحافظون على أُسسه المشكوك فيها داخل بنية المجتمع العراقي. بل إنه اتفاق أمني مرصود ومخصوص ضد مكون معين من الشعب العراقي، لكي تستمر آلة طائفيتهم المقيتة والسلبية في تمزيق النسيج الاجتماعي، وتشويه التعايش التاريخي لقبائل وعشائر العراق العربية التي لم تألفه في ماضيها، وكذلك لم يألفه فئات المجتمع الواحد الذي يصل نسبة تداخل التزاوج بين أبناء المذهبين السني والشيعي لأكثر من خمسة وعشرين في المئة.

هذا إن لم نتطرق إلى كلمة مصلحي عن أهمية هذه الاتفاقية الأمنية على مستوى المنطقة، فالمشروع الإيراني التوسعي آخذ في الانحسار؛ إذ بعد فشل محالة الانقلاب في مملكة البحرين، وتقلص الحوثيين في اليمن، وقرب نهاية النظام الدموي السوري، والمحافظات الثائرة في العراق، فإن إيران بالقدر الذي تريد الالتفاف عبر حكومة "الإخوان المسلمين" في مصر أن تجد لنفسها فضاءً عربياً آخر تنفذ منه، فإنها تسارع الآن أكثر بفرض قبضتها على العراق لكي تحافظ على استمرارية مشروعها.

إلا أن مشروعها الطائفي أمام التحديات الجارية آيل للسقوط حتماً... إنها حتمية الحراك التاريخي للشعوب الحية الأصيلة التي لها القدرة الإرادية على التحدي والاستجابة تجاه المخاطر التي تعصف بوجودها المصيري.