وكأن الحكومة تسعى إلى صناعة أو زيادة حجم أزماتها عندما تتخذ مواقف غير مبررة تجاه عدد من الملفات الاقتصادية، خصوصاً التي يتم استقطاعها من الفوائض المالية، لا لكي تحل أزمة قائمة، بل لتعمق أزمات حالية سيكون أثرها مدمرا على المديين المتوسط والطويل.

Ad

ولم يكد مجلس الوزراء يعلن موافقته فجر أمس الأول على قرارات إسكانية تمحورت حول زيادة القروض، وأبرزها القرض الإسكاني، من 70 ألف دينار إلى 100 ألف, حتى صوتت الحكومة بعدها بساعات بالامتناع وليس الرفض على مشروع قانون "صندوق الأسرة"، الذي قال وزير المالية مصطفى الشمالي إنه يرفع الكلفة من 900 مليون دينار، كما تم الاتفاق عليه مسبقا، إلى ما بين 3.5 و4 مليارات دينار.

مشكلات كبيرة

وما بين القرض الإسكاني وصندوق الأسرة يظهر نموذج يؤكد أن الإدارة الحكومية في الكويت تنظر إلى المال على أنه الحل الأوحد للمشاكل، مع أنه -أي المال- إذا تم استخدامه بشكل خاطئ يمكن أن يؤدي إلى مشكلات أكبر من الحالية، وهذا واضح في أكثر من مجال، وأبرزه مثلاً التعليم الذي تعتبر الكويت من أكثر دول العالم إنفاقا فيه، مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، ومع ذلك فإن العائد منه أقل بكثير مما يجب، خصوصاً عند مقارنته بالدول التي تنفق أقل.

فزيادة القرض بـ30 ألف دينار لن تخدم شريحة المتنظرين على لائحة الطلب الإسكاني، الذين ناهز عددهم 101 ألف طلب، كون أزمة السكن الخاص بالكويت مرتبطة بغلاء الأسعار بسبب ندرة الأراضي، وبالتالي فإن ضخ المزيد من السيولة سيعقد المشكلة بدلا من حلها، كون الحل لمشكلة بحجم الأزمة الإسكانية يجب أن يشمل مجموعة من الخطوات، مثل توفير أراض ووحدات سكنية جديدة، فالمتاح للسكن حاليا لا يتعدى 5 في المئة من مساحة الكويت الإجمالية، وفتح مجال التنافسية في سوق المواد الإنشائية وإعطاء رخص أكثر للاستيراد وإنشاء مدن للعمال وتطبيق الضريبة العقارية على الشركات المستحوذة على السكن الخاص، وإنشاء المدن الحدودية وتشجيع الناس على الإقبال عليها... وغيرها من الحلول، التي قد تغني عن زيادة القرض الإسكاني.

والأهم طبعا قبل الحديث عن أي حل للمشكلة وضع آلية لمحاسبة القائمين على تنفيذ خطوات الحل، فمن ينجز الأهداف يكافأ، ومن يخفق يرحل كي لا تكون قضية بهذه الأهمية مجالا للتصريحات الإعلامية بلا عمل واقعي ملموس.

فوائض مالية

وما ينطبق على الأزمة الإسكانية، وتعميق الحكومة لها، يصلح أيضا في الحديث عن صندوق الأسرة، الذي سيفتح الباب كي يغرف النواب من الفوائض المالية لتوزيعها على الناخبين، والذي ارتفعت كلفته بعد إدخال عملاء البنوك الإسلامية وإعادة الجدولة من 900 مليون دينار إلى ما لا يقل عن 3.5 مليارات، حسب الوزير الشمالي، ومع هذا صوتت الحكومة بالامتناع وليس الرفض، مع أن الأضرار الحقيقية للقانون تتعدى الجانب المالي.

فالامتناع أو ربما الموافقة لاحقا في المداولة الثانية على "صندوق الأسرة"، بعد إزالة اعتراضات الحكومة، سيعني أنها ساهمت في مجموعة أزمات لاحقة، خصوصا أنها ستسجل في قضية القروض تجاوزا للرأي الفني لبنك الكويت المركزي الرافض لإسقاط الفوائد من حيث المبدأ، كونه استخداما للأموال في حل أزمة وهمية لا وجود لها، لاسيما مع وجود صندوق المعسرين... وهنا سيكون للرأي السياسي الغلبة على حساب الرأي الفني، وهو مدخل سيئ لإدارة الدولة وتعاملها مع القضايا المستقبلية.

26 ألف حالة

بل إن الحكومة التي دأبت على تكرار رفضها لأي شراء للفوائد أو القروض، مستندة إلى صندوق المعسرين، الذي عالج 26 ألف حالة -رغم أن عدد المعسرين لا يتجاوز 10 آلاف حالة- عادت لتتقبل الفكرة، وهذا سيرسخ في المستقبل أزمات لا حدود لها، فطالما الحكومة لا مانع لديها في التراجع عن أي رأي فني طالما توفر الضغط السياسي.

ما ستدفعه الحكومة اليوم لشراء القروض سيذكرنا بما فعلته عندما عمدت إلى إحداث اختلال سلم الرواتب في الدولة، عندما رفعت وبشكل استثنائي رواتب العاملين في القطاع النفطي، لتشتعل بعدها المطالبات من بقية موظفي الدولة تحت شعار المساواة، ما أدخل الدولة في أزمة كوادر وبدلات فنشأت مشكلات، في وقت كانت الحكومة تبتغي فيه حل مشكلة واحدة... وبالطبع فإن غير المستفيد من صندوق الأسرة سيحاول جاهدا تحقيق "العدالة" المنشودة فيطلب المساواة مع من استفاد، ووقتها تجد الحكومة نفسها محرجة، وقد دخلت في دورة مطالبات لا تنتهي.

مشروعان كزيادة القرض الإسكاني وإسقاط الفوائد عبر صندوق الأسرة كفيلان بأن يجعلا نسب التضخم تحلق عاليا، وعندها سيكون الضرر أكبر على الجميع، وهو للأسف ما لا يتحدث عنه أحد لا في المجلس ولا حتى الحكومة... وعلى ما يبدو أن الأموال والأرقام والنسب التي تعرفها الحكومة على الأقل حق المعرفة ما هي إلا أداة "طيعة" تتغير بتغير الموقف السياسي وهنا تكون أزمتنا أكبر.