ليس في وسع الصين شراء العالم بعد

نشر في 12-07-2013 | 00:01
آخر تحديث 12-07-2013 | 00:01
في قلب الاقتصاد العالمي الجديد، هناك شركات ذات علامات تجارية مهيمنة وتكنولوجيات متفوقة، تقع على رأس سلاسل القيمة التي تخدم الطبقات الوسطى في العالم، وتمارس هذه الشركات العالمية ضغطاً هائلاً على سلاسل توريدها، ما يخلق اندماجاً وتعزيزاً متواصلاً فيها كذلك.
من بين الغربيين القلائل القادرين على النظر إلى العالم من وجهة نظر الصينيين هو بيتر نولان، أستاذ التطور الصيني في جامعة كامبريدج. وفي كتاب مثير للتفكر نشره في السنة الماضية، تناول واحداً من أكبر المخاوف حول الصين، وهو أنها تشتري العالم. وجوابه هو: لا، نحن لسنا داخل الصين، لكن الصين بداخلنا.

حتى نفهم ما يقصده نولان بهذا، لا بد أن نفهم وجهة نظره حول ما حدث خلال العقود الثلاثة من التكامل الاقتصادي العالمي المدفوع بالتكنولوجيا، فهو يجادل بأن وجه الاقتصاد العالمي تغيّر من خلال ظهور عدد محدود من الشركات المهيمنة، التي تقع معظمها في البلدان المتقدمة، عن طريق عمليات الاستحواذ والاندماج والاستثمار المباشر الأجنبي.

في قلب الاقتصاد العالمي الجديد يقع ما يسميه نولان «مكامِل الأنظمة» – وهي شركات ذات علامات تجارية مهيمنة وتكنولوجيات متفوقة، تقع على رأس سلاسل القيمة التي تخدم الطبقات الوسطى في العالم. هذه الشركات العالمية بدورها تمارس ضغطاً هائلاً على سلاسل توريدها، ما يخلق اندماجاً وتعزيزاً متواصلاً فيها كذلك.

 

شركات مهيمنة

 

وباستخدام بيانات من 06-2009 يستنتج نولان أن عدد الشركات المهيمنة عالمياً في تصنيع الطائرات التجارية الكبيرة والمشروبات الغازية كان اثنتين؛ وفي البنية التحتية لاتصالات الجوال والهواتف الذكية ثلاث شركات فقط؛ وفي المصاعد والشاحنات الثقيلة والكمبيوتر الشخصي أربع شركات؛ وفي الكاميرات الرقمية ست شركات؛ وفي السيارات والأدوية عشر شركات. في هذه الحالات كانت الشركات المهيمنة تزود ما بين نصف إلى كامل السوق العالمية.

وظهرت درجات مماثلة من التركيز، بعد الاندماج والتكامل، في صناعات كثيرة. يمكن رؤية القدر نفسه من التركيز بين مزودي المكونات. لننظر إلى الطائرات. يوجد في العالم ثلاث شركات مهيمنة لتوريد المحركات، وشركتان للكوابح، وثلاث شركات لتزويد الإطارات، وشركتان للمقاعد، وشركة لأنظمة الحمامات، وشركة للأسلاك.

وفي صناعات السيارات، وتكنولوجيا المعلومات، والمشروبات الخفيفة وكثير غيرها، يوجد في العالم عدد قليل فقط من شركات التوريد المهيمنة على هذه المكونات الأساسية.

 

تنظيم الإنتاج العالمي

 

ونستطيع الآن أن نرى تنظيم الإنتاج العالمي والتوزيع في ظل الشركة المكامِلة. الشركات التي من هذا القبيل «تمتلك في العادة بعض التجميع بين عدد من السمات الرئيسة، من بينها القدرة على جمع التمويل لمشاريع جديدة كبيرة والموارد اللازمة لتمويل مستوى عالٍ من الإنفاق على الأبحاث والتطوير لاستدامة الريادة التكنولوجية، وتطوير العلامة التجارية العالمية، والاستثمار في أحدث تطورات تكنولوجيا المعلومات واجتذاب أفضل الموارد البشرية».

فضلاً عن ذلك، «هناك 100 شركة عملاقة، جميعها من البلدان ذات الدخل العالي، تشكل أكثر من ثلاثة أخماس إجمالي نفقات الأبحاث والتطوير من بين أكبر 1400 شركة في العالم. وهذه الشركات هي الأساس الذي يقوم عليه التطور الفني في عصر العولمة الرأسمالية».

وتستثمر هذه الشركات مبالغ ضخمة عبر الحدود، خصوصاً في الصين. في أثناء ذلك هي تخسر السمات والولاءات الوطنية. وهذا يؤدي إلى توتر متزايد، في الوقت الذي تجد فيه الحكومات أن من الصعب عليها بصورة متزايدة أن تحصل الضرائب من «شركاتها» أو تفرض عليها القوانين التنظيمية. مع ذلك، لاتزال الشركات تحتفظ بسمات وطنية وتظل تضرب بجذورها في الثقافات الوطنية.

 

موقع الصين

 

ما هو موقع الصين في هذا العالم الجديد؟ إنها تطور ناجح بصورة هائلة. لكنها بنت هذا النجاح على استعدادها وقدرتها على عرض عمالها وأسواقها لمنتجي العالم. بالتالي في 07-2009 كانت شركات الاستثمار الأجنبية مسؤولة عن 28 في المئة من القيمة المضافة في الصناعة، وكان 66 في المئة من ناتجها يعود إلى صناعات التكنولوجيا العالية، و55 في المئة من صادراتها، و9 في المئة من صادراتها من منتجاتها الجديدة والتكنولوجيا العالية.

معنى ذلك أن الصين مساهم فعال في الأنظمة التي يديرها الأجانب. إذا كان مواطنو وحكومات البلدان المتقدمة يستغربون ولا يرتاحون إلى هذه الشركات العالمية، فكيف ستكون نظرة الصينيين؟

الصين لا تشتري العالم. بين 1990 و2012 ارتفع المخزون العالمي من الاستثمار المباشر الأجنبي الخارج من 2.1 تريليون إلى 23.6 تريليون دولار. في السنة الأخيرة مازالت البلدان ذات الدخل العالي تشكل 79 في المئة من هذا الرقم. في 2012 كان المخزون الخارجي من الاستثمارات الأميركية 5.2 تريليون دولار، في حين أن رقم بريطانيا هو 1.8 تريليون دولار، في مقابل 509 مليارات دولار من الصين. صافي مخزون الصين (أي الفرق بين الاستثمارات الداخلة والخارجة) كان رقماً هائلاً عند سالب 324 مليار دولار. في 2009 كان 68 في المئة من استثمارها الخارجي يفترض أنه في هونغ كونغ. كما يقول نولان: «كانت الشركات الصينية غائبة بصورة ملحوظة عن عمليات الاندماج والاستحواذ الدولية الكبرى». بالنظر إلى افتقار الصين للموارد الطبيعية، فهي تستثمر في الخارج في هذا القطاع. لكن حتى هنا، يتضاءل نطاق استثماراتها الأجنبية أمام استثمارات الشركات الأجنبية المهيمنة.

* (فايننشال تايمز)

back to top