ترى جهات سياسية مراقبة في بيروت أن العراقيل التي تعترض عملية تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة التي يتولاها الرئيس المكلف تمام سلام مرتبطة، بشكل وثيق، بتطور الأوضاع السياسية والميدانية في سورية.

Ad

وتوضح المعلومات التي يتم تداولها في بعض مواقع القرار المؤثرة في لبنان أن تكليف النائب سلام تشكيلَ الحكومة الجديدة جاء بقرار سعودي يهدف الى استعادة المملكة زمام المبادرة السياسية على الساحة اللبنانية في أعقاب نحو سنتين من الانكفاء بفعل «الانقلاب» الذي تولاه «حزب الله» وتمكّن من خلاله بدعم إيراني– سوري من إقصاء الرئيس سعد الحريري و»قوى 14 آذار» عن الحكم.

وتضيف المعلومات أن «حزب الله» وحلفاءه المحليين، الذين سارعوا إلى الانضمام الى نادي مَن سموا سلام لتشكيل الحكومة الجديدة، لم يكونوا بصدد تسوية يقبلون بموجبها الواقعَ السياسي الجديد، مع ما يمكن أن يفرزه من توازنات جديدة، بل كانوا بصدد احتواء الهجوم الذي تعرضوا له للحد من خسائرهم، تمهيداً لإطلاق هجوم مضاد سياسياً وإعلامياً وميدانياً، يبدو أن الأيام القليلة الماضية بلورت معالمه.

وكانت الزيارة، التي كُشف النقاب عنها بعد انتهائها، للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله إلى طهران ولقاؤه مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي بداية لحركة سياسية لبنانية– إقليمية مضادة للحركة السعودية. وقد أتبعت زيارة نصرالله لإيران بزيارة وفد من حلفاء سورية اللبنانيين إلى دمشق، حيث التقى أعضاء الوفد الرئيس السوري بشار الأسد أمس الأول الأحد.

وترافقت الزيارتان، ميدانياً، مع هجوم عسكري واسع شنه النظام السوري بمشاركة مباشرة من مقاتلي «حزب الله» على قرى وبلدات سورية متاخمة للحدود اللبنانية– السورية كانت تحت سيطرة المعارضة السورية. وقد نجح الهجوم، على ما يبدو، في إبعاد فصائل المعارضة السورية عن عدد من هذه القرى المحيطة بمدينة القصير التي باتت شبه مطوقة، والتي قطع التواصل المباشر بينها وبين جرود بلدة عرسال، مما يعني قطعاً لكثير من الإمدادات عن مقاتلي المعارضة في القصير.

وبمعزل عن الأهداف العسكرية لهذا الهجوم لناحية انعكاساته على خريطة الانتشار العسكري والجغرافي للقوى المتقاتلة في سورية، فإن المراقبين يرون فيه الجزء الميداني من استعادة المحور الإيراني– السوري زمام المبادرة العسكرية من المعارضة السورية وحلفائها الإقليميين، تمهيداً لاستعادة زمام المبادرة السياسية لا في سورية، بل في لبنان، على اعتبار أن وضع النظام في سورية يحتاج إلى أكثر من استعادة بعض القرى في ريف القصير لاستعادة زمام المبادرة السياسية.

وفي رأي بعض المراقبين، فإن التطورات الأخيرة للوضع الميداني في سورية ستنعكس في غضون الساعات القليلة المقبلة هجمة سياسية يتولاها «حزب الله» وحلفاؤه في اتجاه السعي إلى فرض وجهة نظرهم إزاء التركيبة الحكومية على الرئيس المكلف، خصوصاً لناحية زيادة الضغوط لتشكيل حكومة سياسية بتوازنات تعكس تركيبة المجلس النيابي، وببيان وزاري يستعيد ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» بعدما شكلت استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي اندفاعة للفريق اللبناني والإقليمي المعارض للسياسة السورية– الإيرانية في لبنان وسورية والمنطقة، في محاولة للانتقال بلبنان إلى ظروف سياسية جديدة تكون مقدمة لتكريس تحول جذري في المسار الذي فرض على لبنان قبل نحو سنتين.

ويعرب المراقبون في بيروت عن اعتقادهم بأن لبنان مقبل، في ضوء هذه التطورات السياسية والعسكرية، على واحد من ثلاثة احتمالات:

1 - هجوم جديد تتولاه قوى «14 آذار» وحلفاؤها الإقليميون لإجهاض الهجوم المضاد الذي تولاه التحالف السوري– الإيراني، والمضي في تشكيل حكومة جديدة وفقاً لما سبق لها أن رسمته لمحاولة الإمساك بالوضع اللبناني.

2 - رضوخ قوى «14 آذار» وشركائها الإقليميين للواقع السياسي والعسكري الجديد الذي يسعى «حزب الله» وحلفاؤه الإقليميون إلى فرضه على لبنان خصوصاً، فتتشكل حكومة جديدة بشروط «حزب الله» وحلفائه وتعود عقارب الساعة السياسية اللبنانية الى ما قبل استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. وفي مثل هذه الحالة يندفع «حزب الله» وحلفاؤه باتجاه مرحلة سياسية جديدة تتمثل في فرض قانون جديد للانتخاب يلائم قوى 8 آذار، فتتم الانتخابات على أساسه على أمل أن ينجح «حزب الله» وحلفاؤه اللبنانيون في الإمساك بمفاصل السلطة من خلال استحقاق تداول السلطة.

3 - توازن سلبي للقوى بين الجانبين يبقي الأوضاع اللبنانية عالقة، ويبقي لبنان بلا حكومة وبلا انتخابات نيابية. وفي مثل هذه الحالة يكون لبنان أمام خيارين: إما التمديد للمجلس النيابي الحالي مع ما يعنيه ذلك من ضرورة التوصل الى صفقة الحد الأدنى من التسوية التي تبقي الوضع اللبناني في الثلاجة من دون تغييرات دراماتيكية في موازين القوى الداخلية، وإما الفراغ المتدرج على مستوى المؤسسات التشريعية والتنفيذية الذي يفتح الباب امام أزمة يضطر معها المتواجهون لبنانياً وإقليمياً إلى إيجاد تسوية لإدارة الواقع اللبناني على الساخن.