فجر يوم جديد: «دليل» محمد رضا

نشر في 28-01-2013
آخر تحديث 28-01-2013 | 00:01
 مجدي الطيب محمد رضا ناقد سينمائي لبناني ولد في بيروت في 11 يوليو عام 1952، يُقيم في الطائرات متنقلاً بين المهرجانات زائراً وناقداً وعضواً في لجان التحكيم، أكثر مما يُقيم في لوس أنجليس في الولايات المتحدة التي اختارها محلاً له، بعد أن هجر لبنان عام 1976 في أعقاب الحرب اللبنانية، وأخذ على عاتقه منذ عام 1993 مهمة إصدار{كتاب السينما»، الذي يُعد دليلاً سنوياً مصوراً للسينما العربية والعالمية. ورغم الظروف الاقتصادية التي تواجهه وتحول دون انتظام الإصدار، نتيجة أن الناشرين لا يضعون الكتاب عموماً والسينمائي خصوصاً، على رأس أولوياتهم، وتراجع القوة الشرائية، فضلاً عن التغيرات التي طرأت على ثقافة الكلمة، تحت سطوة التطور التكنولوجي الهائل، وجعلت القراءة تأتي في ذيل اهتمامات البشر، إلا أنه ظل متشبثاً بمشروعه الثقافي، وليس السينمائي فحسب، وحرص كثيراً على بقائه صامداً في وجه الأعاصير والأنواء.

من هنا، لم أخف فرحتي وسعادتي عندما التقيت الناقد المرموق في مهرجان «دبي»، وفوجئت به يهديني «دليل السينما العربية والعالمية»، وكأنه يبرهن لي أن المغامرة صارت جزءاً من شخصيته، والمخاطرة تجري في جسده مجرى الدم في العروق؛ إذ لم يستسلم لمن «نصحوه» بالتفكير مرتين وثلاث قبل المُضي في الاستمرار في التجربة، بحجة أن العالم اختلف وقراء الكتاب انحسروا وعلى المرء أن يجاري عصره، ورفض أن يتخلى عن حلمه، كونه صاحب مشروع ثقافي، وليس تاجراً أريباً، وكافأه الله بأن قاده إلى شاب إماراتي (عبد الله الشاعر) يعشق السينما، ولم يتردد في مشاركته المغامرة، متحملاً نفقات نشر الدليل الذي اعتبره فرصة ليسدد ديونه حيال الفن السابع الذي أحبه!

اللافت أن رضا لم يكتف بمخاطبة أولئك الذين أدمنوا «الكتاب» وافتقدوا غيابه، وإنما توجه إلى الجيل الجديد من الهواة والمحترفين، وأتاح لهم الفرصة ليتعرفوا إلى «الدليل» الذي يسعى إلى الوصول إليهم ويسهم بشكل كبير في تكريس الثقافة السينمائية، ونشر الوعي بأهمية رسالة السينما في خضم ما تواجهه من حروب ضارية ودعاوى رجعية!

يبدأ الفصل الأول من «دليل السينما العربية والعالمية» باستهلالة موجزة سجلت اتجاهات وتقارير عن السينما العربية في عام بعنوان «وقائع سينما مُهددة»، والسينما العالمية بعنوان «العودة إلى الينابيع»، وأعقبها الناقد الدؤوب بتقرير مختصر عن المهرجانات العربية التي انعقدت عام 2012، وآخر عن المهرجانات العربية حول العالم ومدى نجاحها في تحقيق طموحاتها، وقائمة بالمهرجانات الدولية، وجوائز 15 منها، وموعد دوراتها في عام 2013، وجوائز المسابقات الإعلامية، كالأوسكار و{الغولدن غلوب» و{سيزار» و{بافتا»، التي أطلق عليها الناقد «أعياد السينما». والطريف أن الناقد منح جوائز أيضاً لأفضل الأفلام العربية والأميركية والعالمية من وجهة نظره؛ حيث اختار ترنس مالك كأفضل مخرج في العام و{هاري بوتر» كأفضل سلسلة فيلمية، ولم ينس الاحتفال بمرور 50 عاماً على جيمس بوند، وقدم قائمة بأفلام السلسلة وتكلفتها وإيراداتها. أما الفصل الثاني فاختص بالسينما العربية ذات التمويل الكامل أو الجزئي أو الأجنبي، كذلك الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة، بينما اشتمل الفصل الثالث على الأفلام العالمية، وتكرر عنوان الفصل الثالث مجدداً عند الحديث عن الأفلام التسجيلية، التي تم التنويه إليها سابقاً وأفلام التحريك. وفي فصل بعنوان «المفكرة» أو «شاشات الأمس»، عرض الناقد لأفضل 11 فيلماً من بين مئات الأفلام التي أنجزتها السينما العالمية طوال 11 عقداً، واختتم «الدليل» بقائمة لأفلام الـ D.VD وأخرى للراحلين العرب والأجانب الذين ودعونا في عامي 2011 و2012.

هنا يُلاحظ أن «الدليل» افتقد المنهجية، وغابت عنه القواعد العلمية، واعتمد على الأفلام التي أتاحت الظروف للناقد مشاهدتها، من دون مراعاة سنة الإنتاج أو حصرها وتصنيفها بشكل دقيق، فضلاً عن طغيان الأفلام الأجنبية (أميركية وعالمية) على نظيرتها العربية (47 صفحة للسينما العربية في كتاب يضم بين دفتيه 303 صفحات)، ويبدو أن رقعة المساحة الواسعة للأفلام الأجنبية التي يشاهدها رضا مُقارنة بالعربية المُتاحة له في المهرجانات فقط أثرت سلباً على «الدليل»، الذي يعاني خللاً في الفصل المُسمى «شاشات الأمس»، لأنه يعكس ذوق الناقد وقناعاته فحسب، فضلاً عن أن القائمة التي وصفها بأنها منتخبة ومتميزة، وضمت أفلام: «الهاوية» (1910)، «مولد أمة» (1915)، «مغامرات الأمير أحمد» (1926)، «ألكسندر نيفسكي»(1938)، «هذا المسدس للإيجار» (1942)، «الأم الهند» (1957)، «لورانس العرب» (1962)، «القطة»(1971)، «سواق الأتوبيس» (1982)، «جيرونيمو: أسطورة أميركية» (1993)، «القلوب المحترقة» (2007)، تفتقر إلى المعايير التي ترشح بعضها دون غيرها لأن يكون الأفضل والأكثر تميزاً.

 في الأحوال كافة، يُحسب للناقد محمد رضا اجتهاده وجهده ومثابرته وإصراره على أن يجعل السينما وجبة رئيسة على المائدة الثقافية، وإضافة كبيرة إلى المكتبة العربية.

back to top