{بوبي} و{الحبلة} فيلمان قصيران من تونس ولبنان شاهدتهما، وأعجبت بهما كثيراً لما يتسمان به من طرافة في الفكرة وجرأة بالطرح.

Ad

الفيلم التونسي «بوبي» (18 دقيقة/ إنتاج 2013)، الذي كتبه مهدي برصاوي وأخرجه، يرصد علاقة صداقة نشأت بين الطفل «فارس»، الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره وكلب ضال، وتوطدت نتيجة عطف «فارس» على «الكلب» وإصراره على إطعامه بمصروفه اليومي البسيط، وبدوره يرد «الكلب» على هذا الحنو البالغ بانتظاره عقب انتهاء اليوم الدراسي ومرافقته في طريق العودة إلى منزله. لكن الطفل، الذي لا يبخل على «بوبي» بالخيرات التي يحملها في حقيبته المدرسية، كقطعة الحلوى وثمرة التفاح، يُفاجأ بأن والده، الذي يواظب على أداء فروض الصلاة الخمسة، يرفض بشكل قاطع مبدأ بقاء «الكلب» في المنزل، منطلقاً في ذلك من وجهة نظر دينية بحتة، ويحتدم «الصراع اللطيف» بين الطفل والأب؛ حيث ينتهز الطفل فرصة خروج الأب إلى عمله ليكسر قرار الحظر، ويسمح للكلب بالدخول إلى البيت بموافقة الأم التي تتواطأ معه، وفي موقف طريف يعود الأب مبكراً عن موعده فيضطر «فارس» إلى الاحتفاظ بالكلب «بوبي» في «الغسالة الأتوماتيكية»، وينتهي الموقف على خير. لكن الكلب لا يرضى بغير الدخول إلى المنزل والبقاء بجوار صديقه في كل الأوقات، الأمر الذي يثير غضب الأب فيتحفظ عليه في سيارته، ويذهب به إلى مقلب النفايات، لكن الكلب يستثمر حاسة الشم القوية لديه، ويعود إلى منزل صديقه، ويتسبب في ضجة هائلة تدفع الأب إلى الانتقام منه بقتله رمياً بالرصاص.

تمثلت جرأة المخرج التونسي الشاب مهدي البرصاوي في جدة الفكرة، التي ربطت بين رغبة طفل بريء في اتخاذ «كلب» صديقاً له، ودعاوى تحريم تربية الكلاب في منازل المسلمين، بحجة أن «الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب أو صورة» بينما اعتمد كثيرون على ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه بأنَّ النَّبيَّ (صلى الله عليه وسلم) قال: «مَنِ اتَّخَذَ كَلْباً إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أوْ صَيْدٍ أوْ زَرْعٍ انْتُقِصَ مِنْ أجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» (رواه مسلم)، وفسروا ذلك بأنَّ اتخاذها، أي الكلاب، ليس بمُحرَّمٍ، لما فيه من تغليب للمصلحة الراجحة على المفسدة، غير أن المخرج الشاب لم يقطع شوط الجرأة حتى نهايته، وفاجأنا بإقحام مشهد زائد يختم فيه الأب صلاته، ويلتفت يساره فنكتشف أن الكلب «بوبي» باسط ذراعيه، بعد أن ضمدوا جراحه الناتجة من إطلاق النار عليه، والطفل يحتضنه سعيداً بينما الأب ينظر مبتسماً ومباركاً ما يحدث من دون أن يبرر الفيلم التحول المفاجئ في قناعاته!

«الحبلة» (21 دقيقة/ إنتاج 2013) هو الفيلم الثاني الذي أعجبت بفكرته، من كتابة وإخراج اللبنانية هبة طواجي، وقدمت من خلاله واقعة خيالية عن  المعلم «يوسف» القانع بمتجره المتواضع ورزقه البسيط وحياته العائلية السعيدة، وجلسة المقهى التي يمارس فيها هوايته في لعب الطاولة مع أصدقائه. لكن حياته تنقلب فجأة عقب ظهور حبل متدلٍ في الهواء أمام متجره، وحيال هذه الظاهرة العجيبة؛ حيث لا تؤثر النار في «الحبلة» التي تمتد جذورها إلى السماء، يتوافد الناس من كل صوب وحدب إلى المتجر الذي ينتعش ويبيع «يوسف» في يوم ما لم يبعه طوال حياته، ويُصبح محور اهتمام المسؤولين الذين يطمعون في شراكته وتوظيف الحدث تبعاً لميولهم الحزبية، بينما يجاهد رجال الدين لتفسير المعجزة الإلهية حسب معتقداتهم، وتسعى الفضائيات ووسائل الإعلام للتربح من الظاهرة. لكن الثروة تُنسي المعلم «يوسف» تواضعه وأصدقاءه، بينما تُطيح الشهرة بعقل زوجته وولديه وتنهار العائلة بعد انحراف الأم وإصابة الأب بالجنون، ولا يجد أمامه مفراً من اللجوء إلى «الحبلة»، التي يرى فيها «طوق نجاته»!

إذا كانت الإشادة واجبة بموسيقى قيس السلامي في الفيلم التونسي «بوبي»، لإضافتها بعداً مرحاً على الأحداث، ونجاحها في التعبير عن أجواء البراءة التي أشاعها الطفل؛ فإن فادي السمرة مدير تصوير الفيلم اللبناني «الحبلة» يستحق التحية لنجاحه في توصيل الفكرة بلقطات امتزجت فيها الواقعية بالفانتازيا، وبراعته، مع المخرجة هبة طواجي، في تنفيذ الخدعة البصرية التي أوحت بأن الحبل يتدلى بالفعل من السماء، بينما نجحت المخرجة في إحكام سيطرتها على طاقم التمثيل (أسعد حداد، كريم الرحباني، مالك الرحباني، مايا يمين، ميشال اضباشي ونزيه يوسف)، واستخرجت أفضل ما في جعبتهم، فأجادوا جميعاً تجسيد أدوارهم، ورسم انفعالاتهم، وردود أفعالهم، على رغم تناقض شخصياتهم، وهنا مكمن الصعوبة والاختبار الذي نجحوا، ومعهم المخرجة الواعدة، في اجتيازه.

«بوبي» و»الحبلة» فيلمان روائيان لا تتجاوز مدة عرضهما على الشاشة الأربعين دقيقة، لكنهما يضعان أيدينا على موهبتين ناضجتين لشاب تونسي وفتاة لبنانية لم يستعرضا عضلاتهما الفنية، لكنهما وظفا الموهبة في الاقتراب من الواقع، والتواصل مع همومه، ببساطة أخاذة، وسحر جدير بالإعجاب.