أتأمل بطرف عينيّ الإعلانات المنتشرة على جانبي الأوتوستراد، من بلدة الجيّة إلى منطقة سن الفيل، كل إعلان يزايد على الآخر في أنه يعمل لأجل خدمة المواطن اللبناني، من إعلانات السيارات الحديثة والسهولة في الدفع، إلى الشقق والفيلات الجديدة التي تدعو إلى التقسيط من دون دفعة أولى، ومن البرادات صديقة البيئة إلى شاشات التلفاز العملاقة، ومن شعارات دعم {المقاومة الحزب إلهية} إلى دعوات الانتساب إلى حزب {القوات اللبنانية}، ومن إرشادات دفع فواتير وزارة الاتصالات إلى تبشير وزارة النفط اللبنانية الباسيلية اللبنانيين بمستقبل زاهر ووردي، ومن زيت الزيتون الصافي إلى {الجمال... نادر وصعب}.
ومن بين الإعلانات كافة، يبقى أكثر ما يلفتني إعلانات المصارف اللبنانية، التي توحي للعابر وكأنها الفانوس السحري الذي يعطي المواطن ما يريده من دون مقابل. ربما سبب اهتمامي بإعلانات المصارف أني استدنت قرضاً لشراء سيارة على حين غفلة وتسرّع وغضب، ومنذ بدأت العمل كموظف في إحدى المؤسسات، بات تعاملي مع المصارف أمراً ملحاً، أو شرّاً لا بدّ منه.لفتني في المرة الأولى إعلان ضخم لمصرف يقول {سدد عمهلك}، ويشبه تسديد أقساط القرض بزحف السلحفاة البطيئة والمملة. لكن زوجتي تسخر في كل مرة من الإعلان قائلة: {تسديد الأقساط مثل السلحفاة، لكن في المضمر تبدو الفائدة مثل الأرنب}، تذكيراً بقصة الأرنب والسلحفاة التي تلقيناها في الأيام المدرسية.في الإعلان الثاني لأحد المصارف صورة لدب الباندا الجميل نائماً على أرجوحة، مع عبارة {سدد إلى ما بعد الصيف}. بمعنى أيها المواطن خذ القرض ونم في سبات عميق مثل الدب. ويصوِّر الإعلان الثالث مواطناً لبنانياً يستدين قرض شقة ويلعب الجمباز قائلاً: {صار البيت ورايي}.هذه هي المصارف، إغراء دائم، وفخوخ تتحول مع الوقت طوقاً حول العنق. تذكرت وأنا أرى الإعلانات كيف استدنت من المصرف لأشتري سيارة ووقعت في فخ التقسيط، وما زلت حتى الآن أبحث عن سبل النجاة. وقّعتُ عشرات السندات والتعهدات التي تجربني على أن أدفع في التوقيت المحدد وإلا تزيد الفائدة أو تُباع السيارة في المزاد.سيارة حديثةسيارتي القديمة، أو سيارتي الأولى التي كانت أشبه بعجوز مصابة بالسرطان، جعلتني أتوتر وأندفع إلى شراء سيارة حديثة. في كل مرة كنت أقودها، كنت أتعرض لمشكلة، تقطعني في منتصف الطريق، تارة بعطل في الكهرباء وتارة بصباب الحرارة وثالثة بمساحات الزجاج ورابعة بمضخة البنزين... لم يبق شيء في سيارتي القديمة لم تصبه الأعطال.على طريق ضهر البيدر، {قطعتني} أكثر من خمس مرات وأنا برفقة زوجتي وابني، هناك حيث يكون {الميكانسيان} الجوال مثل صياد فرص. وعلى طريق البقاع، قطعتني في خضم سقوط الثلج... وغيرهما الكثير. كرهت السيارات بسبب تلك السيارة العجوز، واندفعت إلى المصرف لاستدانة قرض سيارة حديثة. المبلغ الذي احتجته 12 ألف دولار أسدده 20 ألفاً على مدى خمس سنوات، أي زيادة 8 آلاف دولار، نصفها فائدة ونصفها الآخر لشركة التأمين.اشترط المصرف الذي قصدته للاستدانة أن أفتح حساباً باسمي لديه، وأحوّل كل شهر راتبي من المصرف حيث وطنته إدارة المؤسسة التي أعمل فيها، وهذه العملية التافهة تكلفني على الأقل نحو 25 دولاراً شهرياً، نصفها أجرة للمصرف الذي يأمر بالتحويل، والنصف الآخر ضريبة دخل تأخذها الدولة اللبنانية.بعد سنتين من هذه المعمعة المصرفية، شعرت بضيق وقرف من تقسيط السيارة فقررت أن أسحب بعض المال من حسابي المجمّد في مصرف ثالث، وأتخلص من فكرة التقيسط الذي يفسد عليً راتبي الشهري. قال لي الموظف حيث لدي حساب التوفير المجمد، عند سحب مبلغ كبير من الحساب عليك أن تدفع عليه عمولة... استغربت في البداية، ولكن قلت لا مشكلة. سحبت 8 آلاف دولار، وضعتها في جيبي وذهبت إلى الموظفة في المصرف الذي أستدنت منه قرض السيارة، قالت لي: باقٍ عليك من ثمن السيارة عشرة آلاف دولار، وإذا دفعت أقل من المبلغ لا تتغير الفائدة، والتأمين تم قبضه مسبقاً على خمس سنوات. شعرت بالانزعاج و{البعصة} والهبل، وقلت من الأفضل أن تبقى الأموال {الكاش} معي، أو {خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود}، وقررت أن أفتح دفتر توفير في المصرف حيث كنت. سلمت المبلغ للموظفة، التي أوضحت أنهم يأخذون 2 في الألف عمولة على الأموال لأنهم يشحنونها إلى الخارج. شعرت برأسي كأنه {سطَّل}، قلت في قرارة نفسي {المصارف مثل المنشار تأكل صعوداً ونزولاً تحت مسميات مختلفة}.
توابل - ثقافات
{منشار} المصارف
12-09-2013