التسابق الانتخابي النيابي لا يمكن أن يواجه فقط بتحذيرات حكومية كالتي أطلقتها وزيرة التنمية رولا دشتي في جلسة أمس، بل بخطوات جدية مثل رد الحكومة لكل القوانين الشعبوية، سواء أبطلت المحكمة الدستورية المجلس أو لم تبطله.

Ad

يتسابق نواب مجلس الأمة هذه الأيام نحو اقرار وتشريع اكبر عدد ممكن من القوانين الشعبوية، في صورة قبيحة لشراء الولاء السياسي للناخبين قبل حكم المحكمة الدستورية الأحد المقبل، والتي يمكن ان تحكم ببطلان المجلس الحالي وإجراء انتخابات جديدة.

فمن اقرار زيادة علاوة الأولاد الكويتيين في القطاعين الحكومي والخاص الى 75 دينارا، في مداولتين سريعتين، إلى مناقشة رفع بدل الإيجار في جلسة اليوم إلى 250 دينارا وزيادة القرض الإسكاني، مع احتمال طرح مجموعة من القوانين مثل زيادة المعاشات التقاعدية وإنشاء صندوق لدعم وتشجيع الطلبة الدارسين في الخارج على نفقتهم الخاصة، وتعديل قانون صندوق المعسرين والسماح للمتعثرين بالاقتراض مجدداً، فضلاً عن التقاعد المبكر للمرأة، نجد اننا امام مشروع نيابي في استخدام اموال الدولة وفوائضها لمصلحة مكاسب انتخابية واضحة قبل حكم المحكمة الدستورية بأيام.

هذا التسابق الانتخابي النيابي لا يمكن ان يواجه فقط بتحذيرات حكومية كالتي اطلقتها وزيرة التنمية رولا دشتي في جلسة امس من ناحية العجز التراكمي المتوقع بين عامي 2021 و2031، فمثل هذه التحذيرات باتت مكررة ومنقولة من تقارير اقتصادية مهمة كتقرير اللجنة الاستشارية الاقتصادية، او تقارير صندوق النقد والبنك الدولي، بل يواجه هذا النهج الانتخابي بخطوات جدية تضمن عدم تمرير هذه المشاريع الشعبوية وهو ما يستوجب رد الحكومة لها جميعا، سواء ابطلت المحكمة الدستورية المجلس أو لم تبطله، فالمبلغ الذي تم اقراره في هذه المشاريع كبير جدا وكلفته مستمرة وتصاعدية كما هو الحال مع قوانين بدل الايجار وعلاوة الاولاد وزيادة المعاشات التقاعدية.

فجوات واختلالات

ولعل ما يؤكد وجود تسابق انتخابي لا توجه لحل المشكلات الحقيقية للمواطن، هو طرح مشاريع لرفع بدل الايجار وزيادة القرض الاسكاني، فمن المعلوم ان حل ازمة السكن لا يرتبط بالاموال بل بمجموعة متكاملة من الفجوات والاختلالات في سوق العقار السكني مثل تحرير الاراضي وفتح التنافسية في مجال قطاع مواد البناء وانشاء المدن الحدودية، وتحويل دور الشركات من مضارب في السكن الخاص الى مطور وغيرها من العناصر الاساسية التي تحل الازمة ولا تعمقها... اذ ان ضخ الاموال دون توفير الاراضي سيخدم محتكري عقارات السكن الخاص لا المواطن العادي.

وتأتي قوانين الاستنزاف المالي متزامنة مع احداث عالمية مهمة جدا على صعيد سوق النفط، المورد الاساسي للكويت بنسبة 93% من اجمالي الدخل، فأمس اعلنت الوكالة الدولية للطاقة، في تقرير لها، خفض توقعاتها الخاصة بالطلب العالمي على النفط الخام للعام الحالي عند مستوى 785 الف برميل يوميا، متوقعة تراجع الطلب العالمي على النفط لعام 2013 بمقدار 80 الف برميل يوميا مقارنة بتقديراتها الشهرية السابقة.

ولعل الرقم الذي اشار اليه التقرير ليس مهما بمقدار أن السبب الذي يدعم هذا التراجع هو ضعف النمو الاقتصادي في القطاع الصناعي العالمي وتباطؤ الطلب في بعض الدول الناشئة مثل الصين، لافتا الى أنه «من المتوقع أن تحد الظروف الضعيفة نسبيا للاقتصاد الكلي من النمو في عام 2013»، مع توقعات بتراجع حاد للطلب على النفط من معظم دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وأوضح التقرير أن بعض الدول المتقدمة ستشهد تراجعا كبيرا في استهلاك النفط عام 2013، مما يساعد في التعويض عن ارتفاع الطلب في الدول الناشئة.

وبالطبع كلما تراجع الطلب العالمي على النفط كانت الدول الاكثر ارتباطا به كالكويت هي الاكثر تأثرا في موازناتها ومداخليها، فضلاً عن التطورات المتسارعة في ملف النفط الصخري، والذي كشفت صحيفة «فاينينشال تايمز» مؤخرا ان كمياته تناهز 345 مليار برميل في 42 دولة، مما يغطي أكثر من 10 سنوات من استهلاك النفط في العالم.

مخاوف

كل هذه المتغيرات تتزامن مع المخاوف الاقتصادية التي تعرفها الحكومة والمجلس، وكل من يهتم بالشأن الاقتصادي في الكويت، والتي يمكن حدوثها عند اي اختلال في اسواق النفط، لأي سبب كان، الا ان الرغبة في التسابق الانتخابي قبل حكم المحكمة الدستورية هو الطاغي على تفكير النواب، اذ لم يشهد التاريخ النيابي في الكويت كل هذا التسابق المحموم لتمرير اكبر كم من المشاريع الشعبوية كما يحدث الآن.

المطلوب موقف حكومي جاد في رد هذه القوانين التي تم اقرارها او التي سيتم اقرارها اليوم، رغم ان سوابق الحكومة غير مشجعة في هذا الجانب، فهي اصلا التي وافقت على صندوق الأسرة وأرست مع النواب مفاهيم عدم العدالة والتمايز بين المقترضين وغير المقترضين بل بين المقترضين انفسهم، وبالتالي فالرهان عليها للأسف ضعيف، بل انها يمكن ان تنتظر حكم «الدستورية» وتراقب الموقف السياسي لتحدد ان كانت ستعطي هؤلاء النواب «ورقة» يستفيدون بها انتخابيا ام لا!