أنهت مجموعة العشرين اجتماعاتها ومناقشاتها على مآدب الطعام بشأن التحركات الواجبة في التعامل مع الاتهامات الموجهة إلى الرئيس السوري بشار الأسد باستخدام غاز سام لقتل أكثر من 1400 من أفراد شعبه، وقد أظهرت بريطانيا وتركيا وكندا درجات متفاوتة من الدعم لدعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما للقيام بعمل عسكري، في حين نعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالكاذب، وزعم أن الأدلة ضد الأسد غير حاسمة وغير مقنعة، ومن الكواليس، حذر الاتحاد الأوروبي والبابا فرانسيس من أنه لا يوجد أي "حل عسكري" ممكن في سورية.

Ad

بعبارة أخرى، سار كل شيء كما كان متوقعاً بالضبط، فالأميركيون والفرنسيون وغيرهم يواصلون دفع الروس إلى قبول أن الحكومة السورية استخدمت الأسلحة الكيميائية؛ ويرفض الروس الحريصون على حماية حليفهم السوري الأدلة ويعتبرونها غير حاسمة وغير مقنعة؛ وتستمر المذبحة. ويتحرك محور المعركة الآن نحو الكونغرس الأميركي، حيث يحاول تحالف نادر بين الديمقراطيين الليبراليين والجمهوريين الانعزاليين عرقلة خطط الرئيس أوباما.

ولا يوجد لدى أولئك الراغبين في وقف إراقة الدماء خيارات جيدة. ويصدق هذا على أوباما، وعلى الأوروبيين المشغولين بالصداع السياسي الداخلي، والزعماء العرب الذين يتوقون إلى رؤية حكومة الأسد تنهار ولكنهم غير راغبين في التصريح بذلك علنا.

ويقول رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إن حكومته لديها أدلة جديدة ضد الأسد، في حين صوت البرلمان على حجب الدعم عن الرد العسكري. وفرنسا على استعداد للعمل كتابع ولكنها لا ترغب في تولي القيادة، وتريد جامعة الدول العربية من "المجتمع الدولي" أن يتحرك من أجل إنهاء المذبحة، ولكن من دون استخدام القوة. وسوف يطلب أوباما من الكونغرس الموافقة على ضربات جوية محدودة قد تردع استخدام الأسلحة الكيميائية في المستقبل ولكنها لن تغير التوازن في الحرب الأهلية في سورية.

والحق أن الأسد، والمتمردين السوريين، والأميركيين، والروس، والعرب يستحقون جميعاً الانتقاد بجدارة، ولكن توجيه أصابع الاتهام يقودنا بعيداً عن جوهر المسألة: فالموقف في سورية هو أقوى دليل حتى الآن على نشوء نظام عالمي جديد قائم على خواء القوى في السياسة الدولية، حيث لن تقبل أي قوة منفردة أو كتلة من القوى تحمل التكاليف والمخاطر المصاحبة للزعامة العالمية. وحتى إذا ضربت الولايات المتحدة وفرنسا دمشق، فإن هذه الضربة لن تنهي الصراع في سورية- خلافاً لما حدث في يوغوسلافيا السابقة، عندما نجحت الضربات العسكرية في وقف الحرب في كوسوفو من خلال قصف بلغراد- لثلاثة أسباب:

أولا، هناك الكثير من الأطراف المعنية التي تسعى إلى حماية نطاق بالغ التنوع من المصالح، ورغم أن القصف من شأنه أن يحمل الأسد على إعادة النظر في كثير من الأمور، فإنه لن يرغمه على الاستسلام ولن يشجع حلفاءه على الانقلاب ضده. ولن يوضح القصف كيفية استعادة الاستقرار وبناء سورية أكثر استقراراً وازدهارا، نظراً للحاجة إلى التعاون بين العديد من الجهات الفاعلة التي تحمل أهدافاً متضاربة.

فتريد الولايات المتحدة وأوروبا سورية التي تلعب دوراً أكثر إيجابية في المنطقة، وتريد إيران وروسيا الاحتفاظ بحليف بالغ الأهمية. وتريد تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر رؤية سورية التي تبقي إيران على مسافة ولا تتحول إلى بلد مُصَدِّر للتطرف العنيف عبر الحدود، ونتيجة لهذا فإن سورية من المرجح أن تتحول إلى ساحة حيث تتنافس قوى إقليمية، بدعم من جهات خارجية مهتمة، على فرض نفوذها.

وثانيا، سوف تستمر الولايات المتحدة- الدولة الوحيدة التي تملك القوة اللازمة للعب دور حاسم- في مقاومة التورط بشكل أعمق. فأغلب الأميركيين يقولون إنهم لا يريدون المساهمة في زيادة الآلام التي تعيشها سورية؛ وهم يشعرون بالضجر والسأم من الحروب في الشرق الأوسط، ويريدون من قادتهم أن يركزوا على التعافي الاقتصادي وخلق فرص العمل في الداخل. وسوف يكون لزاماً على أوباما أن يتوخى الحذر في التعامل مع الكونغرس، حتى رغم تصويت معارضيه الجمهوريين على تقديم دعم محدود فإنه سوف يجعلون حياته صعبة بقدر الإمكان.

وأخيرا، لا تستطيع الولايات المتحدة أن تعتمد على حلفائها لمساعدتها في الأعمال الثقيلة، ففي ليبيا، كان من السهل نسبياً قصف جيوش معمر القذافي مع تقدمها عبر مساحات مفتوحة، وعلى النقيض من هذا فإن قصف دمشق- التي تظل مدينة ذات كثافة سكانية عالية، رغم فرار اللاجئين- سوف يسفر لا محالة عن قتل عدد كبير من المدنيين السوريين.

وكما كانت الحال في منطقة البلقان قبل جيل واحد عندما تحرك زعماء الغرب لإنهاء الصراع الأكثر دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، فإن الفرنسيين مستعدون لإرسال طائراتهم وطياريهم إلى سورية، ولكن البريطانيين يتحدثون بأكثر من صوت واحد في هذه القضية، وعلاوة على ذلك فإن أغلب زعماء أوروبا مشغولون بالتداعيات المحلية للصراعات الجارية في منطقة اليورو.

 ففي ألمانيا على سبيل المثال، سوف تتجنب المستشارة أنجيلا ميركل خوض مجازفات غير ضرورية قبيل الانتخابات العامة المقبلة.

وعلى نحو مماثل، لن يبادر الزعماء العرب- المهمومون بالاضطرابات في مصر، وتصاعد وتيرة العنف في العراق وليبيا، والتهديد المتمثل بالاضطرابات الاجتماعية داخل بلدانهم- إلى دعوة القوى الغربية علناً إلى قصف دولة مسلمة. حتى كندا لن تشارك في هذا الأمر.

إن مشكلة خواء القوى لن تدوم إلى الأبد، ففي نهاية المطاف، سوف تهدد الحرائق السياسية التي سُمِح لها بالخروج عن السيطرة العدد الكافي من الدول القوية فترغمها على مستوى معين من التعاون، ولكن من المؤسف بالنسبة إلى السوريين أن معاناتهم لن تكون كافية وحدها.

* إيان بريمر | Ian Bremmer رئيس مجموعة أوراسيا، ومؤلف كتاب "كل أمة لنفسها: الكاسبون والخاسرون في عالم خواء القوى في السياسة الدولية".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»