احتفلت النمسا بمرور 150 عاما على ميلاد فنانها العالمي جوستاف كليمنت، الذي ولد في 14 يوليو 1862، وتوفي في 1918 بمرض الزهري الذي قضى عليه في عمر مبكر عن 55 عاما.

Ad

الاحتفالات أقيمت في 9 معارض، ضمت كل أعماله وكل وثائق حياته وسيرته، ووزعت لوحاته في كل متاحف النمسا، وكنت أتمنى منذ زمن طويل أن أحظى بمثل هذه الفرصة الذهبية التي جُمعت فيها كل أعماله في بلد واحد، مكنت المشاهد من التفرج عليها في مكان واحد، ولم أكن قد شاهدت له إلا عملا كان في متحف الأرونجري بباريس، ولم يكن من أهم أعماله.

قصر ومتحف البلفيدير الأعلى الذي ضم معظم أعماله التي وزعت في قاعة الرخام والبقية في صالة تريينا، بما فيها لوحته الشهيرة المسماة بالقبلة، وهي بحق عمل إبداعي مذهل تجلت فيه مقدرة الفنان بأعلى طاقاتها وتأججها وتوهجها بلهب اكتمال النضج والخبرة وعظمة الانفعال الحسي، هذه اللوحة بالذات لا تترك فرصة للمشاهد بأن يرقبها بحياد، طاقتها الديناميكية تبث إشعاعها على مشاعر الرائي لها، حقل انفعالي إيروتيكي صارخ بالأحاسيس المتفجرة من عشق متوهج بالشغف والفرح والسعادة، بهذا العناق الحميم والحنون والمحتوي والذائب في انصهار تفاهم جسدين عاشقين، لفتهما عباءة رجل متسع وشاسع كأنه الكون احتوى كائنه الصغير المستسلم له بكل عذوبة واطمئنان.

لوحة القبلة تصنف من أهم 5 لوحات في تاريخ الفن التشكيلي العالمي، وتماثل قيمة وأهمية لوحة لموناليزا التي توجد في متحف اللوفر الفرنسي.

جوستاف كليمنت يُعتبر بحق فنان النمسا الأول وأيقونتها الخالدة، وهو أبرز فناني حركة الانفصال الفنية التي انشقت عما سبقها، ومدرسته في الرسم هي الرمزية الخاصة به، المختلفة حتى مع من كان من أتباعها، فقد كان فناناً متمرداً اختلف مع فناني عصره، وولد فنه الخاص برؤيته وأحاسيسه الفنية التي أصر عليها، حتى وإن عارضه الآخرون وهاجموا فنه الذي تمسك به وفرضه في النهاية على ذوق زمنه، وأصبح مدرسة فنية ألهمت الكثير من الفنانين في مختلف المجالات الفنية، سواء في الرسم أو الديكور أو الأزياء.

أعماله التي تمثلت في مدرسته الفنية قامت على توليفة من المزج بين الفنون كلها، فحين تشاهدها تشعر باحتفالية هائلة بالحياة، مهرجان للضوء، وكرنفال للألوان، هيصة من الفرح مستمدة من روح الأيقونات والموزايك البيزنطي، والزخرفة الحسية المشبعة بالحياة وبتفاصيل التفاصيل المعجونة بانبهار النور، وبموسيقى حركتها، والحسية العارمة المنبعثة منها، مع تجسيد الصورة كحضور البورترية، وإخراجها بديكور مسرحي.

هذا المزج يشبه ما يماثله في كتابة النصوص الروائية حين يمتزج فيها القص بالتصوير بالسينما بالمونتاج بالشعر بالمسرح، ذلك حين يتمكن الفنان من هضم كل هذه الفنون في خلاط إبداعه، ومن ثمة يأتي بهذا الذي لم يوجد له مثيل من قبل ولا يمكن تصنيفه إلا في خانة الأصيل والمتميز في فرادته، وهو الذي يتمكن من ترك بصمته على تاريخ صيرورة الزمن.

أهم موضوع في أعماله هو المرأة، فهو رجل شهواني حسي وقع في عشق النساء بدون تحفظ أو تصنيف، أحب النساء بكل الأشكال وبكل الأعمار، وأجاد رسم تفاصيل أجسادهن وعريهن كما هو في الواقع وليس كمثل عري الملائكة، مما أثار عليه حفيظة الغضب في عصره، لكنه استمر في رسمهن كما هو واقع حقيقتهن، وكما آمن بفنه.

عاش حياة صاخبة مليئة بالشغف والجنس، وترك خلفه أبناء غير شرعيين اعترفت بـ4 منهم محكمة فيينا من أصل 14.

ولأجل عشاق فنه عُرضت في سوق المتحف كل أعماله التي سوقت بشكل لوحات مطبوعة على كل ما يمكن أن يباع ويشترى، مثل تيشيرتات وربطات عنق وإيشاربات وأقلام ونظارات ومقلمات ودبابيس شعر وحقائب وملصقات، كؤوس وصحون وفتاحات وحتى برطمانات العسل والمربى وكل ما يخطر على البال وما يمكن التربح منه، وهذا مما يدفع إلى السؤال التالي: كم نال الفنان من هذه الأرباح الضخمة التي تخصه من بعد موته؟