يتوازى نمو ودائع القطاع الخاص مع نمو الفوائض التي تكدسها الدولة منذ سنوات، حيث تشير البيانات المجمعة لميزانية الكويت إلى أن الفائض المالي التراكمي منذ عام 2000 إلى 2012 ناهز 80 مليار دينار.

Ad

خلال 6 سنوات ماضية ارتفعت قيمة ودائع القطاع الخاص في البنوك المحلية من 16.5 مليار دينار الى 30 ملياراً، اي بنسبة نمو 82%.

هذه النسبة تشير بشكل واضح الى ضعف فرص الاستثمار في السوق المحلي، لذا اتجهت الاموال الى الودائع رغم محدودية العوائد في السنوات الاخيرة، خصوصا ان النظام المصرفي اتجه خلال السنوات الماضية الى خفض سعر الخصم على الفائدة، ما يعني ان المستثمرين لم يجدوا اي فرصة مجدية لاستثمار اموالهم، خصوصا في غياب اجراءات الحكومة للتحفيز وانعاش الاقتصاد.

ويتوازى نمو ودائع القطاع الخاص مع نمو الفوائض التي تكدسها الدولة منذ سنوات، حيث إن البيانات المجمعة لميزانية الكويت تشير الى أن الفائض المالي التراكمي منذ عام 2000 الى 2012 ناهز 80 مليار دينار، وهو مبلغ ضخم، كان على الإدارة الحكومية أن توظفه في مشاريع بنى تحتية وخدماتية حقيقية تدر عائدات للدولة بقدر ما توفر خدمات للسكان من مواطنين ووافدين، فضلاً عن مشاركة القطاع الخاص في تمويل مثل هذه المشاريع.

 

البنية التحتية

 

غير ان الواقع يشير الى أن الكويت تعتبر اقل دول الخليج إنفاقا على مشاريع البنية التحتية، فتكلفة مشاريع البنى التحتية والبناء ومشاريع النفط والغاز قيد التنفيذ وفي مرحلة التخطيط في دول مجلس التعاون الخليجي تبلغ 1.86 تريليون دولار، أو ما يعادل 171 في المئة من الناتج الإجمالي لدول الخليج لعام 2010، البالغ 1.08 تريليون دولار.

واستحوذت السعودية والإمارات على نصيب الأسد من تلك المشاريع بقيمة 664 مليار دولار للأولى، و643 ملياراً للثانية، أي بنسبة 70 في المئة، أما الكويت فقد تذيلت القائمة بمشاريع «مرصودة او مخطط لها» قيمتها 140 مليار دولار، بنسبة 7.5 في المئة، متخلفة عن القائمة الخليجية في الانفاق على المشاريع.

ولعل نسبة الانفاق الاستثماري بحد ذاتها محبطة، فهي تشكل 15.9 في المئة من إجمالي الإنفاق، وهذه نسبة قليلة خليجياً، إذ يتراوح الإنفاق الاستثماري خليجياً بين 18 و33 في المئة، إضافة إلى أن المبلغ المرصود للإنفاق الاستثماري لم يصرف منه إلا 64 في المئة فعلياً، مما يشير بشكل جلي إلى وجود أزمة حقيقية في الإنفاق والعقلية التي تديره.

وحسب الأرقام المنشورة، والتي تعرفها الحكومة وجهازها التنفيذي جيدا، فإن الكويت مقبلة على مصاعب حقيقية، فمثلا الحكومة التي يطلب منها اليوم أن توفر نحو 20 ألف وظيفة سنوياً عليها بعد أقل من 18 عاماً ان توفر 74 الف وظيفة سنويا، وهو أمر شبه مستحيل، في ظل استمرار الوضع الحالي المتعلق بتضخم الجهاز الإداري للدولة ومحدودية القطاع الخاص.

كما أن الطلب الإسكاني، الذي يناهز اليوم 105 آلاف طلب، سيرتفع خلال 5 إلى 7 سنوات إلى 135 ألف طلب غير مستوفٍ، فضلاً عن أن الشباب دون 24 عاما يشكلون 60% من إجمالي الشعب الكويتي، وهم عامل ضغط كبير على خدمات الدولة خلال 20 عاما قادمة، خصوصا في ظل زيادة عدد المواليد.

لذلك فالحديث عن أرقام مرعبة في القطاعات الخدمية، وما يقابلها من نمو مطرد في الموازنة العامة التي نمت خلال 10 سنوات من نحو 5 مليارات دينار إلى 22 مليارا، يستوجب البحث عن «نموذج إنجاز» للكويت، خصوصا في ظل تحديات كبيرة، ليس اقلها ان الميزانية العامة للدولة في حال الاستمرار بالنهج الحالي ستبدأ في تسجيل العجز اعتباراً من عام 2020 بواقع 3.5 مليارات دينار في السنوات الأولى، على أن يبلغ العجز التراكمي لعام 2030 نحو 174 مليار دينار، وعندئذ سنحتاج إلى سعر 213 دولاراً للبرميل لتحقيق نقطة التعادل.

مشروع دولة

 

ويقصد بنموذج الإنجاز تحويل قطاع مرهق من الإدارة الحكومية إلى قطاع إنتاجي وناجح، فمثلاً قطاع التعليم يتم التعامل معه على انه مشروع دولة، بحيث يتم وضع جميع الإمكانات لتحقيق نظام تعليم متطور، بالضبط كما فعلت سنغافورة او السويد، وكما تسعى سلطنة عمان إلى عمله اليوم.

وبدلاً من أن تكون الدولة مجرد جهة توفر الوظائف، تتحول إلى دور الصانع لفرص العمل وبيئة متاحة لأصحاب الأفكار من الشباب، فضلا عن اتخاذ إجراءات لتخصيص مؤسسات سيئة إداريا كالخطوط الجوية الكويتية او المشروعات السياحية، لتتحول إلى مؤسسات تقدم خدمات عالية الجودة ومدرة للأرباح.

وهناك مجالات كثيرة للإنفاق يمكن ان تحفز السيولة الراكدة في البنوك للخروج في سبيل المساهمة او تمويل مشاريع حقيقية تستحق ان يخاطر اصحاب الودائع فيها، فالدينار -خصوصا دينار القطاع الخاص- لا يجامل، فإن لم يجد الفرصة الاستثمارية الجيدة فسيظل محبوساً كوديعة او راغبا في الهجرة كاستثمار خارج الكويت.