«السامواري» وفجوة الزمن
يتطور العلم بشكل يومي وتنطلق الابتكارات بسرعة كبيرة، ولا تكاد تتعرف على اكتشاف جديد حتى يتبعه آخر، من هذه الاكتشافات المرعبة شيء أسموه "فجوة الزمن"، حيث تستطيع من خلالها الذهاب في التاريخ، فيعود بك إلى أي زمن تريده، وتعيش من خلاله وبين أهله، تتعرف على طبائعهم وتكتشف عاداتهم وتسبر ملامح حياتهم... هذا كله من غير أن يشعر بك أحد.الفكرة جميلة والتطبيق رائع والتجربة تستحق، قام أحد أبناء جزيرة العرب المعاصرين بالتصدي لهذا الاكتشاف، وقرر دخول فجوة الزمن هذه لهدف واحد فقط، أنه يريد العودة إلى أجداده ليتعرف منهم كيف كانت "العزائم" عندهم ويعود على الفور.
اعتلى المغامر سطح بيتهم، وعندما لاحت له فجوة الزمن "طب" فيها وانطلق يبحث عن أسرار الكرم وآليات العزائم، وما هي إلا لحظات وإذا به وسط الجزيرة بين مضارب القبائل ومساكن العوائل. لقد رأى عادات جميلة وممارسات راقية، فالعزيمة تسمى "كرامة" وكانت تفعل لمن يستحقها، فهؤلاء الأبطال قد عادوا من معركة شرسة بذلوا فيها الأرواح وارتفعت فيها "العزاوي"، فهم يستحقون الكرامة الجزلة، وهذا عائد من سفر بعيد ومشقة كبيرة، فهو كفء بأن تقام له كرامة تليق بتضحياته، وآخرون هم ضيوف "حشام" قد حلوا على القبيلة فالواجب والمتأصل تكريمهم، ورجل غريب لا يعرفه أحد لكنه دخل حدود القبيلة فمن الشيم تكريمه، ولا نبالغ إذا قلنا إن العدو يكرم عندما يؤمن جانبه "وأكثرهم كذلك". أعراب الجزيرة يكرمون على اليسير، فلا ينتظر أحدهم ليكثر ماله كي يقوم بالواجب، ولكن لا تجد أياً منهم يفعل الكرامة تقرباً من "شخصية" أو مسؤول، بل يعتبرون ذلك خرقاً لمروءتهم وقدحاً في رجولتهم، وعاراً يتبعهم ما حيوا.وأفضل ما رآه هذا الزائر للتاريخ أن الرجل لا يقبل ولا يتوقع أصلاً "مردوداً" لما يراه واجباً، والذي لم يجده هناك هو حالة النفير العام لمن يعرفه ومن لا يعرفه ليحضر عزيمته ليراهم "الضيف" عند حضوره، ربما لعدم وجود "واتس آب" في ذلك الزمان!وفجأة وبلا مقدمات قام أحد الأعراب بالقفز من الأرض إلى ظهر بعيره، ومنه مباشرة إلى فجوة الزمن ليترك هذا المعاصر خلفه ويعود إلى وقتنا الحاضر ليجد "الفرينسي" يلعب في النهار و"الدحة" تخالطها الضحكات والنكات ورقصة الموت المسماة "العرضة" تمارس بعد الغداء وبلا مناسبة.هذا البدوي لم يتمالك نفسه فاستلّ خنجره وغرسه في بطنه ليموت كما يموت الساموراي.