لن تكون كل محاولات جمْع رأس المعارضة ورأس النظام السوري على مخدة واحدة وبـ"الحلال" إلا مجرد إضاعة للوقت، وإلا مجرد المزيد من إزهاق أرواح السوريين وتدمير مدنهم وقراهم، فهذا النظام مصرٌّ على أنه باقٍ لا محالة، وأنه منتصر "بلا أدنى شك"، بينما المعارضة تقول إنه، بعد كل هذه الأعداد من القتلى والجرحى والمفقودين والمشردين والمهجرين، وبعد كل هذا الدمار والخراب، من غير الممكن العودة إلى المربع الأول، عندما كان الوضع في البدايات في الستة أشهر الأولى لـ"الثورة" يسمح بالمساومة على بقاء بشار الأسد رئيساً للبلاد بعد الاتفاق معه على بعض التحسينات الإصلاحية.

Ad

وبهذا فإن كل طرف من هذين الطرفين لا يرى إلا حلاً واحداً "إمَّا في مدار الأفلاك، وإمَّا في مقر الأسماء"... إما منتصر أو مهزوم، وإما غالب أو مغلوب، ولعلَّ ما يؤكد أنه لم يعد هناك إلا هذا الخيار، إنْ بالنسبة للنظام وإن بالنسبة للمعارضة، أنَّ الساحة السورية قد تحوّلت، على غرار ما كان عليه الوضع في خمسينيات القرن الماضي، أي في مرحلة الانقلابات العسكرية المتضادة، إلى ساحة صراعات دولية وإقليمية، فهناك انحياز طائفي لهذا النظام الطائفي بالأموال والأسلحة والذخائر والمقاتلين، وبالسياسة أيضاً، وهناك التدخل الروسي الذي تجاوز كل الحدود يقابله دعم كلامي غربي متضائل ومتراجع ولكن يُبقي على المناوشات والاحتكاكات الدولية.

منذ انقلاب حسني الزعيم عام 1949 الذي لم يعمر سوى مئة وسبعة وثلاثين يوماً، وحتى انقلاب عفيف البزري، الذي أخذ سورية إلى أحضان عبدالناصر والوحدة قصيرة العمر مع مصر، بقي هذا البلد العربي الاستراتيجي مسرحاً لتصفية الحسابات بين الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية من جهة، وبين الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرأسمالية من جهة أخرى، أي بين الشرق والغرب، وأيضاً بين صراع الشركات البترولية، وكذلك بين الذين كانوا ينادون بوحدة الهلال الخصيب مع العراق وبين الرافضين لهذا وفي مقدمتهم مصر الملكية، ولا سيما في عهد الملك فاروق.

الآن، أي منذ اندلاع هذه الأحداث الدامية في هذا البلد العربي المحوري، ثبت أن سورية بقيت كما كانت ساحة لتطاحن المعسكرات والصراعات الدولية، وأيضاً للصراعات الإقليمية التي هي انعكاس للصراعات الدولية، وكذلك كل انقلابات ستينيات القرن الماضي بداية من انقلابي الانفصالي عبدالكريم النحلاوي وانتهاءً بانقلابات التصفيات البعثية- البعثية من الثامن من مارس (آذار) 1963 إلى الثالث والعشرين من فبراير (شباط) 1966، وأخيراً وليس آخراً، انتهاء بانقلاب حافظ الأسد على رفاقه، هذا الانقلاب الذي جرت تسميته: "الحركة التصحيحية"!

وحالياً فإن الملاحظ أن الغرب، الذي تقوده الولايات المتحدة، يُظهِر عجزاً مثيراً للعديد من التساؤلات الجدية، ويُظهِر "ميوعة" هي حمالة أوجه إزاء كل هذا الصراع المحتدم في سورية، والذي بعد استخدام بشار الأسد للصواريخ البالستية من طراز "سكود" ضد مدينة حلب، وضد تجمعات فقراء الشعب السوري في الأحياء المحيطة بها فإنه غير مستبعد، إذا تواصلت الأمور على ما هي عليه حالياً، أن يستخدم الأسلحة "الكيماوية"، بينما هناك في الاتجاه ذاته كل هذا الهجوم الكاسح الذي تقوم به إيران الخمينية ومعها "حزب الله"، ثم هناك الموقف الروسي الذي لا يقل دعماً ومساندة بل ومشاركة فعلية بالسلاح والخبراء والمواقف السياسية عن موقف الولي الفقيه علي خامنئي... وهذا في الحقيقة يدعو إلى التساؤل عمَّا إذا كانت هناك مؤامرة، وعمَّا إذا كانت هناك تسويات، وإن مؤقتة بين الولايات المتحدة ومن معها وبين موسكو... وعمَّا إذا كان الشعب السوري سيتلقى المزيد من خناجر الغدر في الظهر وفي الخاصرة، وعمَّا إذا كانت هذه الثورة العظيمة الواعدة ستصبح ثورة مغدورة؟!.