تكشف فصول كتاب {الربيع العربي... الانتفاضة والإصلاح والثورة} عن تفسيرات متعددة للطبيعة السريعة والمفاجئة للثورات والاحتجاجات الجماهيرية الحاشدة في عام 2011، وتبرز على وجه الخصوص خمسة عوامل:

Ad

• النمو الكبير لأعداد ونسب الشباب في المجتمع واستحقاقهم مشاركة أكبر وأوسع وذات معنى في السياسة والاقتصاد، مقابل معاناتهم الحرمان من أي فرص للمشاركة.

• وجود نمو اقتصادي متواصل في الدول الخمس، أي مصر وتونس وليبيا والجزائر والمغرب، بشكل رفع من مستوى التوقعات بين قطاعات السكان كلها بالحصول على منافع اقتصادية ناشئة عن هذا النمو.

• خيبة الأمل التي عانتها البرجوازية الصغيرة من النخب الحاكمة، ما قاد إلى قيامها بقطع أي ارتباط بالنخب والانضمام إلى الثوار والمتمردين.

• قرار القادة العسكريين بالاصطفاف إلى جانب الثوار أو المتمردين أو الالتزام بالوقوف مع النظام.

• توافر تقنيات التعبئة الالكترونية، بما في ذلك قنوات البث التلفزيوني (خصوصاً قناتي الجزيرة والعربية)، الرسائل النصية عبر الهواتف الخلوية، ووسائل التواصل الاجتماعي القائمة على الانترنت (لا سيما الفيسبوك في الحالة التونسية)، بما سارع وسهّل تعبئة السكان في حركات الاحتجاج الاجتماعي الشامل.

تغييرات ديمغرافية

يحلل ريكاردو رينيه لاريمونت في الفصل الأول من الكتاب الأدوار المتداخلة التي تقوم بها التغييرات الديموغرافية، الاقتصاد وتقنيات الإنترنت والهواتف المحمولة في التحريض على الثورة والإصلاح وتسريع وتيرتهما في عام 2011. يقدم لاريمونت تحليلاً ديموغرافياً لكل بلد على حدة، ثم يربطه ببيانات الاقتصاد الكلي والبيانات عن بطالة الشباب واستعمالات الهواتف المحمولة واستخدام الفيسبوك، ليفسر جذور وسرعة انتشار الثورات. ويتوقع لاريمونت أنه وبناء على الانخفاض المتوقع في الخصوبة في البلدان العربية الخمسة التي يتناولها المؤلف (تونس، مصر، ليبيا، المغرب، الجزائر)، فإن هذه المجتمعات ستصل إلى مرحلة استقرار سكاني خلال 20 عاماً.

يقدم الفصل الثاني {الثورة التونسية: ثورة الكرامة} لعميرة علية الصغير، الذي شهد الثورة وشارك فيها، تحليلاً لأسباب الثورة وأهم فاعليها، محاولاً وضعها في سياقات مقارنة مع الثورات الأخرى. يركز الصغير على التمايزات في توزيع الثروة بين الدواخل والمناطق الساحلية، الآفاق المظلمة لتشغيل الشباب، حالة {الإرهاق} التي سببها نظام بن علي التسلطي، استعمال وتوظيف البريد الإلكتروني والرسائل النصية والفيسبوك في نشر الثورة والدور الخاص الذي قام بها المحامون والقضاة ونشطاء النقابات العمالية في تنظيم المراحل اللاحقة للثورة، كما يحلل الدور الذي قام به الجيش والشرطة.

أما في الفصل الثالث {الثورة المصرية: قوة التعبئة الجماهيرية وروح ميدان التحرير}، فيقدم عماد الدين شاهين تحليلاً لقوة وقدرة التعبئة الجماهيرية في مصر والاستراتيجيات والتكتيكات التي تم استخدامها للإطاحة بنظام مبارك في 18 يوماً. يعرض شاهين الأسباب الهيكلية للثورة مع بيان الدور الذي قام به الفاعلون المؤثرون مثل {حركة 6 أبريل} و{الإخوان المسلمون}والحملة الشعبية لدعم البرادعي والنقابات العمالية. يرى شاهين أن ثورة 25 يناير نتجت من عملية تراكم عبر سنوات عدة من القمع السياسي وسوء إدارة الاقتصاد وغياب العدالة الاجتماعية وقمع البوليس، إضافة إلى الجهد المتواصل والنضالي للنشطاء الذين وظفوا أثناء الثورة وسائل التعبئة التقليدية والحديثة في آن.

ظلم وبطالة

يعرض يوسف الصواني في الفصل الرابع {انتفاضة 17 فبراير في ليبيا: إسقاط النظام وتحديات بناء الدولة}، التمثلات المتعددة  والطبيعية الأكثر عنفاً لما حصل في ليبيا بمواجهة نظام القذافي. يشرح الفصل كيف انطلقت الانتفاضة في شرق البلاد وتكونها من عناصر متعددة ومختلفة، مع بيان الدور الذي قام به حلف شمال الأطلسي في الثورة، وهو ما يميز الحالة الليبية عن غيرها من الحالات موضوع الكتاب.

عز الدين العياشي في الفصل الخامس، يبين لماذا لم تصل الثورة أو الانتفاضة في الجزائر في عام 2011 مع أنها بدت جاهزة لاستقبالها. حيث يعاني شباب الجزائر البطالة والتهميش، ومع ذلك لم يبد ذلك كافياً لأحداث الثورة والتمرد أو الانتفاضة. وبينما يشرح العياشي التيارات المؤسسة لعدم الاستقرار في الجزائر، يشير إلى أن الجيش سيواصل، متماسكاً، القيام بدوره باعتباره قوة سياسية ليوجه أو يدير البلاد من وراء الستار. عانت الجزائر حرباً أهلية مفزعة خلال ما عرف بسنوات الجمر، ما أحدث حساسية شعبية تجاه أي موجة جديدة من العنف وعدم الاستقرار، إضافة إلى الدور الذي قام به تمتع البلاد بموارد كبيرة من النفط والغاز الطبيعي، توفّر للنظام الموارد اللازمة {لشراء} الرضا الشعبي والهدوء خلال فترات الأزمات. أخيراً، سعى النظام الجزائري إلى دمج العناصر الإسلامية التي لا تتبنى العنف في العملية السياسية في الوقت نفسه الذي تتم فيه مطاردة أولئك الذين يسعون إلى تحدي، أو تغيير، النظام بالعنف. هذه العوامل مجتمعة تشرح لنا لماذا تمكنت الجزائر تجنب التمرد والثورة عام 2011.

انتهاك الحقوق

في الفصل السادس يناقش محمد ضريف، كيف تمكن المغرب من تجنب ثورات عام 2011، ذلك أن الملك محمد السادس كان قد أطلق عملية لبرلة طويلة المدى للدولة المغربية. ويرى ضريف أن العملية انطلقت عام 2004 عندما شجع الملك رعاية الدولة التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، وأطلق في عام 2010 عملية نقل لسلطة اتخاذ القرار الحكومي من الحكومة المركزية إلى الحكومات المحلية. ومع أن احتجاجات جماهيرية جرت عام 2011 نجحت في دفع الملك إلى تسريع الإصلاح الدستوري الذي بموجبه تم تفويض بعض سلطاته للبرلمان، احتفظ الملك بسلطة تعيين المرشحين الذين يفضلهم للوزارات الرئيسة، وظل مسيطراً على الجيش. ويقرر ضريف أن الملك محمد السادس أوجد صيرورة حررت المنتظم السياسي، وشجعت منحى سياسياً تطورياً غير ثوري.

وفي الفصل السابع {ما بعد الثورة: تحديات وآفاق الانتقال الديمقراطي}، وهو ما يمثل الخاتمة التحليلية للكتاب، يسعى ريكاردو لاريمونت ويوسف الصواني وعزالدين العياشي ومحمد ضريف إلى تقديم مناقشة وتحليل للمسائل التي جرى تناولها في الفصول المختلفة بهدف استخلاص الدروس التي يمكن أن تساهم في فهم أعمق لهذه الظاهرة بشكل عام. كذلك تتناول الخاتمة الآفاق المختلفة لمرحلة ما بعد الثورات والتغييرات التي حصلت في دول الربيع العربي، وتعلق على المستقبل الذي يمكن أن تتجه إليه الأوضاع على المدى القصير.