في الثامن عشر من مارس عام 2011 انطلقت من درعا شرارة الثورة السورية ضد الظلم والطغيان والفساد الذي استشرى في بلاد الشام، تلك الثورة السلمية التي انطلقت من المسجد العمري في درعا البلد ليخلد ذكرها التاريخ ويكتبها بحروف من نور، قابلتها رعونة أزلام النظام بالرصاص الحي والقتل والترويع للآمنين.
وعندما سقط أول شهيد على أرض حوران ليروي بدمائه الزكية ثراها الطاهر هبّ أهل هذه المحافظة لنصرة إخوانهم في درعا البلد، وذلك تلبية لنداء النخوة العربية التي تربى عليها أهل حوران الكرام، وكان الشيخ يوسف أبو رومية السعدي آنذاك ممثلاً لأبناء درعا في مجلس الشعب، وشاهد بأم عينه ما حدث لأهله وأبناء بلده من ترويع وقتل وتعذيب شمل الرجال والشباب والأطفال الأبرياء.فانبرى الشيخ أبو رومية بفطرته السليمة وشهامته التي يعرفها القاصي والداني مدافعاً عن الحق أمام كل أعضاء مجلس الشعب، واضعاً النقاط على الحروف، ناطقاً بالحق في زمان يندر الناطقون به.إنك يا أبا محمد لم تكن كغيرك من الرجال، الذين دسوا رؤوسهم في الرمال، ولاذوا بالسكوت، بل بالتصفيق للظلم والطغيان، فنطقت بالحق عندما خرست الألسن، وامتطيت صهوة الرجولة عندما عز الرجال، وشهد العالم أجمع موقفك الذي سجله التاريخ بحروف من ذهب عندما قلت ناصحاً النظام، واضعاً النقاط على الحروف في مجلس الشعب:"إن أبناء حوران لا يعرفون الغدر وليس من صفاتهم خيانة الأوطان، لكن ما حدث في درعا كان بسبب رعونة العميد عاطف نجيب (رئيس فرع الأمن السياسي في درعا وابن خالة بشار الأسد) الذي قتل المتظاهرين السلميين، بل منع سيارات الإسعاف أن تصل إليهم، فاتخذوا المسجد العمري مشفى لجرحاهم ونادوا بالمآذن للتبرع بالدم لهم".وهذا الموقف المشرف الذي ختمت به حياتك لم يأت من عدم إنما هو امتداد لمسيرة طويلة من العطاء الخالد في كل مناحي الحياة والصلات الاجتماعية العطرة.إن ترجلك اليوم عن صهوة الحياة هو سنة الله في الكون، وحسبنا أنك تركت سيرة حميدة تلهج بها ألسنة كل من سمع بك أو عاشرك ولو ليوم واحد، وبغيابك خيّم الحزن على قلوب محبيك، فقد كنت الأخ والأب والناصر لهم.ورغم ما عانيته من مرض في عامك الأخير فإن نفسك الأبية لم تكن تقبل إلا بالاطمئنان على أهلك وذويك من الشباب الثائر في سورية، بل كنت ترقب بعين الأمل بزوغ فجر الحرية لأهلنا في سورية، لكن مشيئة الله كانت بأن تترجل أيها الفارس ليكمل غيرك المسيرة.رحلت أيها الفارس دون أن ترى نصر ثورة الشرف والكرامة وقد بزغت شمس انتصاراتها في سماء سورية ودون أن ترى الفرحة قد ارتسمت على وجوه أطفال ونساء سورية ورجالها.أخيراً وليس آخراً... إن الكلام مهما طال أو قصر لا يفيك حقك ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله، رحمك الله وأسكنك فسيح جنانه... وألهم أهلك الصبر والسلوان.
مقالات
يوسف السعدي... الفارس الذي ترجل
09-03-2013