نقاطع أم نشارك؟
بعد أن حسمت المحكمة الدستورية الجدل حول دستورية مرسوم الصوت الواحد، يبقى الجدل السياسي قائماً حول آلية التعاطي مع المرسوم. فاحترامنا لأحكام القضاء لا يعني بالضرورة تقبلنا سياسياً التعاطي مع نظام انتخابي سيئ للغاية، فرض علينا من السلطة التنفيذية بهدف تسهيل مهمتها في السيطرة على مخرجات الانتخابات وضمان مجالس موالية لها. كانت المقاطعة مستحقة حال صدور المرسوم، حسب رأيي، بغض النظر عن نجاحها من عدمه كوسيلة للتعبير عن رفضنا لتفرد السلطة بتغيير آلية اختيار ممثلينا في البرلمان، ولاعتقادنا أن المرسوم لا تتوافر فيه حالة الضرورة. وما لجوؤنا إلى المحكمة الدستورية بالطعن إلا لحسم هذا الخلاف. لكن بعد صدور الحكم يبقى السؤال الأهم المطروح على كل من يتفق معنا على رفض المرسوم هو ما العمل؟ هل نقاطع وبالتالي نزيد من فرص تحصينه وبقائه، أم نشارك بهدف تغييره؟يرى البعض أن المقاطعة هي السبيل للتصدي لمرسوم الصوت الواحد، فالمسألة هي مسألة كرامة، والمقاطعة هي رسالة رفض لتجاوزات السلطة المختلفة وعلى رأسها محاولاتها المستمرة لإجهاض التجربة النيابية ورعايتها للفساد والمفسدين ولاختلال ميزان العدالة لديها، وبما أن الوضع سيئ للغاية فلنقاطع ونترك المجلس للسيئين.
إذا كان الدافع الرئيسي وراء المقاطعة هو رفض مرسوم الصوت الواحد فكيف للمقاطعة أن تلغي المرسوم؟ أليس من الأجدى المشاركة في الانتخابات وتشكيل جبهة وطنية لتغيير المرسوم؟ وإذا كانت المقاطعة لرفض مبدأ استخدام مراسيم الضرورة لتغيير النظام الانتخابي حتى بعد تحصينه من المحكمة الدستورية فما الذي برر المشاركة في انتخابات مجلس 81؟ ولماذا لم تقم القيامة عند مطالبة أحمد السعدون وعبدالله النيباري السلطة بتغيير النظام الانتخابي وإقرار الدائرة الواحدة من خلال مرسوم ضرورة؟ ماذا لو استجابت السلطة في ذلك الوقت لهذه المطالب؟ ما الذي اختلف فالمبدأ واحد؟ أما إذا كانت المقاطعة لإيصال رسالة احتجاجية ضد السلطة لرفض تدخلاتها السافرة بالانتخابات، فالسؤال هنا هل هذا أمر مستحدث؟ ألم تتدخل السلطة في كل الانتخابات الماضية؟ ألم تضخ الأموال وتشتري الولاءات في مجالس سابقة؟ ما الذي تغير الآن؟ ما الذي جعل المشاركة والمواجهة واجبة في الانتخابات السابقة وجعلها تخاذلاً في الانتخابات الحالية؟ والسؤال الأهم من ذلك، هو: كيف توصلنا المقاطعة إلى تحقيق أهدافنا أيا كانت سواء في رفض المرسوم أم محاربة الفساد أم إيقاف تدخل السلطة في الحياة النيابية أم السعي لتحقيق العدالة؟هذه التساؤلات لا أوجهها لنفسي لأن قراري بعدم خوض الانتخابات جاء بعد أول تجربة قصيرة لي اكتشفت خلالها فصول المسرحية. هذه التساؤلات موجهه بالذات لمن قضى نصف عمره من النواب مشاركاً في مجالس نيابية متتالية كانت للسلطة اليد العليا في تشكيلها، وكان الفساد يمارس "عيني عينك". بالطبع لا ننتظر جواباً ممن يستخدم هذه المبررات في العلن للتكسب السياسي بينما السبب المبطن للمقاطعة هو انعدام فرص النجاح في الانتخابات وفق نظام الصوت الواحد.