الخطوات التي تسعى إليها مجاميع سياسية مختلفة من أجل تشكيل جبهة معارضة وطنية وعريضة في غاية الأهمية، وإن جاءت متأخرة جداً، حيث «وقع الفاس بالرأس»، ولكن تبقى الحاجة إلى مثل هذا المشروع الأهم على الإطلاق في تاريخنا السياسي ومستقبلنا جميعاً ككويتيين.

Ad

ولسنا بحاجة إلى المزيد من المؤشرات أو الدلائل على حجم الفساد بأشكاله وألوانه ومستويات التخلف المخجل في معظم الخدمات العامة، وفقدان هيبة القانون والانفلات العام، لدرجة أصبح كياننا كدولة وشعب مهدداً، أما النسيج الوطني فبات ممزقاً طولاً وعرضاً ويكاد ينذر بكارثة حقيقية.

وهذا الوضع الخطير شاركنا في صنعه جميعاً، ولو بدرجات مختلفة ومن أجل غايات رخيصة ووقتية، سواء شعرنا بذلك أم لم نشعر، مع عدم إنكار حالات متعمدة وكيدية من البعض، وقد تكون الحكومة المسؤول الأول عن هذا البلاء قانونياً ودستورياً وسياسياً وأخلاقياً، بل لا نستبعد وجود دور حكومي مباشر لرعاية هكذا فساد ولو على حساب مصلحة الكويت بل على ظهر تفتيت المجتمع.

ولهذا، فإن جبهة وطنية عريضة وناضجة ومسؤولة، ضرورة لا تحتمل التأخير أكثر، فمفهوم المعارضة كان طوال العهد الدستوري يمثل صمام أمان للشعب الكويتي ومستقبله، وكان يجسد الأمل في الثقة مقابل الخداع، والإصلاح في وجه الفساد وضد التخلف، والبناء بدل الهدم، ولذلك كانت المعارضة رغم قلتها العددية وإمكاناتها المتواضعة تمتلك رصيداً شعبياً حقيقياً وواسعاً، وكانت المعارضة تهز أركان الحكومة لمصداقيتها وتلقائيتها وصدق مشاعرها، أو هكذا كان الانطباع العام عنها، ورموز المعارضة الصادقة حافظوا على الأقل على سمعتهم من أي اتهامات بالذمة المالية أو تجاوز القانون، وصمدوا أمام المغريات في المناصب والمنافع، وهذا يتطلب صبراً طويلاً وتضحيات متواصلة، ولذلك نجد أن هؤلاء الرموز الذين لا يختلف عليهم اثنان قلة قليلة ويعرفهم الجميع.

ومعارضة اليوم التي تم اختزالها بأغلبيه مجلس 2012 المبطل بالتأكيد لا يملكون مثل هذا الرصيد، نعم المعارضة لديها قضية بل قضية وطنية جميلة لا تختلف في مضمونها عن الشعارات والمطالب التي طالما كانت حلم الكويتيين جميعاً، ولكن بعض التوجهات والشخصيات فيها كانوا محامين فاشلين، فخلطوا الكثير من الأوراق، وفتحوا جبهات سخيفة وعقيمة عديدة مع شرائح وفئات في المجتمع اهتزت معها أواصر الثقة والمحبة والشراكة في الوطن، والطرح الطائفي الإقصائي وأسلوب الخطاب المتشنج أبعد الكثيرين حتى عن القضايا الحقة التي تنادي بها المعارضة فقط بغضاً لبعض الأشخاص، وصارت المعارضة بدلاً من أن تهز الحكومة تهز البلد بمن فيه.

ولهذا فإن إعادة النظر استراتيجياً في مفهوم المعارضة مطلب مستحق، ونجاح أي جبهة جديدة مرهونة- برأيي- بمتطلبين أساسيين هما إعادة اللحمة الوطنية وجعل الحراك الشبابي العصب الرئيسي فيها باعتباره مجمعاً للهموم والطموحات الكويتيية للحقبة الزمنية القادمة، ومن لا يحتمل النفس الوطني والإيمان الحقيقي بأن الكويت ملك للجميع وتستوعب الكل، وبناءها بحاجة إلى كل مواطن مخلص فيترك الساحة، أو يتحتم على النماذج الطيبة في صفوف المعارضة من المشارب والأطياف المختلفة إبعادهم حتى تكون أفعالهم وممارساتهم لو أصروا عليها تمثل أشخاصهم ولا تشوه المعارضة بأسرها أكثر وأكثر.