استنجاد الكثير من أصحاب الضمائر الحية لمحاربة جريمة شراء الذمم وضخ المال السياسي في الانتخابات ينمّ عن بقايا أمل وصدق النوايا في ديرتنا، وفي نفس الوقت يعكس استمرار التفوق الشعبي في الوعي والإخلاص لهذا البلد على الموقف الرسمي المتثاقل، إن لم يكن المتآمر على تفشي هذا الانحلال الخلقي، الذي يضاف إلى القائمة الممتدة من أنواع الفساد الإداري والمالي والسياسي المتسببة في شلّ حركة الكويت وتحويل هذه الدرة المتلألئة إلى كومة من الخراب والترهل.

Ad

المشكلة الحقيقية في ظاهرة شراء الأصوات الانتخابية تكمن في معرفة الكثير من المرشحين الذين وصلوا من قبل أو يطمعون في الوصول إلى البرلمان، إما بالتواتر أو المعلومات المؤكدة، ولكن قصور الإرادة وتفعيل دور الأجهزة الأمنية والملاحقة الميدانية تبقى الأسباب الرئيسة في استمراء هذا الفحش وتفشيه.

وكبقية مشاكلنا المزمنة والخطيرة فإن "الطنطنة" والتحذير من شراء الأصوات لا يتعديان زوبعة في فنجان، بل قد تكون هذه المشكلة هي نتيجة طبيعية وامتداد لحالة الفساد المالي التي خرقت العظم، ولهذا فقد يكون من الظلم أن تقوم القيامة على مواطن محبط ومتيقن أن مجلس الأمة والانتخابات قد تحولت إلى مهزلة لا تقدم ولا تؤخر، لأنه باع صوته مقابل بضع مئات من الدنانير.

نعم شراء الذمم جريمة بكل المقاييس الأخلاقية والقانونية، ولكن هل يتساوى المواطن البسيط، وفي هذا الجو السياسي المتعفن، في جريمته مع أولئك الذين باعوا ضمائرهم، وهم يمثلون الأمة وتحت قبة البرلمان، وملؤوا جيوبهم وأرصدتهم بالملايين دون حساب أو كتاب، وخرجوا منها مثل الشعرة من العجين، وها هم يتصدرون قائمة المرشحين دونما ذرة من الحياء أو الخجل، بل إنهم بفعلتهم هذه يشجعون غيرهم بأن العبور من بوابة المجلس يضمن لهم هذا النوع من الثراء السريع وبمبالغ خيالية لا تساوي ملاليم مما قد يشترون فيها بضع مئات من الأصوات تضمن بنجاحهم في ظل نظام الصوت الواحد؟

وهل يقارن هذا المواطن المسعّر بـ500 إلى 1000 دينار مع كبار المسؤولين والمتنفذين ممن ورطوا الدولة والمال العام بمليارات الدنانير أيضاً دون أدنى درجات المساءلة والمحاسبة؟

وهل يلام هذا المواطن المغلوب على أمره على عيبته، وهو يدرك أنه والكثير من أمثاله ليسوا سوى أدوات في صراع الكبار على السلطة عبر وكلاء بالعمولة من بعض المرشحين ونواب المستقبل، هذا الصراع الذي لم يعد خافياً على أصغر طفل وأكبر عجوز في الكويت؟!

وهل يعقل أن تجنّد وزارة الداخلية كل رجالها وأجهزتها ورجالها لملاحقة كل ناخب، والتأكد من تصويته بذمة وضمير، وتترك مجاميع صغيرة من السماسرة الصغار والكبار ليعيثوا في الأرض هذا الفساد؟

فعلاً إنها من سخريات القدر أن تستمر حالة التدهور، ونحن نواجه مشاكلنا الحزينة إما بأسلوب النكات السياسية أو اللامبالاة أو العجز واليأس، كما هي الحال بالنسبة إلى شراء الأصوات، وأن نختم كل ذلك بالمقولة الكويتية الشهيرة "يا عمي... ردّت على شراء الأصوات"؟!