ما معنى أن يكون لك وطن؟

نشر في 18-02-2013
آخر تحديث 18-02-2013 | 00:01
 فوزية شويش السالم شهر فبراير دائماً يحيلني إلى هذا السؤال: ما معنى أن يكون لك وطن يحتويك ويحتوي أولادك، ومن قبلكم احتوى رفات أجدادك وأسلافك، وليشعرك أنه مبتدأك ومنتهاك، وأنه هو جذرك الأول من بعد الله الذي يمنحك الشعور بالأمن والطمأنينة، فمن غير وجوده لو فكر كل واحد فينا لدقائق فقط عن انعدام وجوده أو خلو حياته من غير هذا الحضن الحاوي المسمى بالوطن ماذا سيحل به من فزع ورعب وشعور بالنبذ خارج عن منظومة الدفء والأمن هذه؟

فما معنى الوطن؟

هو كل شيء يحيل المعنى في أي ذاكرة كانت مهما تضاءلت أو صغرت، فمثلا رؤية زهرة النوير البازغة من فوق ترابه الممزوج برائحة ربيع صحراء قبل أن ينتهكها النهار، يحيل دائما إلى ذاكرة حنين لا يُخطأ، أدرك أنه قادم من نبع طفولة الوطن التي هي طفولتنا، فالوطن هو أرض نسكنها في زمن ما لنعمرها ونغادرها، وتُمحى ذاكرتنا، ويأتي أناس بعدنا ليعيدوا تشكيله وبناءه وتغييره بحسب ما يرتأونه، فالوطن لي ولك وللمستقبل، هو لا يمنح ذاته لأحد، لكن من يسكنه يمنحه ذاته مهما تعددت هوياته يبقى لوطن الولادة هو المنبع والرحم الحقيقي للمواطنة وللشعور بالانتماء.

البارحة ونحن نتجول في أرجاء ليل مدينتنا المزدهي بالأضواء السحرية وبالزينة ذات الإخراج المبهر، الذي كلل قصر السيف وأبراج العاصمة الشاهقة السابحة في وميض النور السادر الذي تنافس بعضها البعض في فرض جمال حضوره واقتناص فرصة الوجود الأجمل والأكمل والأبهى في احتفالات شهر فبراير، التي يقع فيها يوما الاستقلال والتحرير، اللذان يعتبران أهم أيام السنة كلها بالنسبة إلى دولة الكويت وشعبها، ففي هذا الشهر الذي هو من أجمل شهور السنة، الذي يبدأ فيه البرد الصحراوي القارس بالانحسار والتقلص متيحا لتباشير الربيع ممارسة بهجة وروده ونعمة حلوله، وفي هذا الشهر نالت فيه الكويت استقلالها، وأكمل الله عليها نعمة استردادها من يد الغزو الصدامي، ليصبح يوما عيدها عيدين، لذا سألتني ابنتي ونحن نسير في تجوالنا في ليل فبراير الساحر عن أيهما أهم بالنسبة لي وما يعنيه لي من قوة إحساس ومشاعر وأهمية مما بين يومي 25 و26؟

وبالطبع كان جوابي هو يوم 26، وكان هذا أيضا رأي ابنتي، فلا مجال للمقارنة بينهما، فالأول حصلنا عليه والكويت أصلا كانت لنا، وما كان استقلالها إلا تحصيل حاصل، أما يوم 26 فبراير فهذا يوم مخطوط بالروح وبالعصب، وكل من عايش فرحة هذا اليوم لا يمكن أن يُمحى من ذاكرته، فهو اليوم الذي عادت فيه الكويت لنا، وفيه عُدنا إلى كويتنا التي هي حياتنا ومعنى وجودنا، وما معنى أن يكون لك وطن وأن يكون محمياً ظهرك وبيتك وكيانك كله بوجوده، وأنه لا معنى ولا أهمية ولا وجود لك خارج عن وجوده، فوجوده شرط أساسي لوجودك، وعدمه يعني ضياعك ونبذك في عراء كوني خال من الهوية ومن المعنى، فالوطن لا يعني وجود وامتلاك بيت وسكن في بقعة من أرض ما، بل هو الشعور بأن وجودك ومسماك وكنيتك وتاريخك كله نابع منه ومنعكس من شعاع وجوده، فقيمتك تنبع من قيمته، وثقل وجودك وأهميته يعود إليه مهما تعددت جيناتك وتوزعت على أكثر من رقعة في البلاد المتسعة والممتدة والمتعددة، يبقى الوطن الحقيقي هو في امتداد سمائه التي تغطينا، وحضن ترابه الذي يضم ذاكرتنا فيه مهما "تحلطمنا" أو تذمرنا أو تشكينا مما يفعله الناس من إيذاء لروح وتراب هذا الوطن، يبقى الوطن هو الملاذ والسكن الذي نحبه ونشتاق لذرات ترابه حين يؤخذ منا أو نبتعد عنه.

لذا أجدني أقف ضد كل من يحاول أن يعبث بأمن هذا الوطن وباستقراره وبدفء حضنه الذي يحوينا ويمنحنا الشعور بالأمن والاطمئنان والسكينة التي هي ما نعنيه بكلمة وطن ومعنى مواطنته، فمهما امتلكنا من مساكن خارجه لن تمنحنا بضرورة الحال الملاذ للحضن الحقيقي المسمى بوطن، الذي عرفنا وخبرنا تماما تجربة أن نكون عاريين تمام العري ومنبوذين في اللاوجود من غيره.

فكل عام ووطننا الكويت يرفل بالعزة والأمن والكرامة.

back to top