الانتشار الخليجي

نشر في 11-10-2013
آخر تحديث 11-10-2013 | 00:01
 ناصر الظفيري ليس في هذا الرأي انقاص من مكانة العواصم العربية المركزية ودورها في الأدب والثقافة، لكنه قراءة آنية للمتغيرات التي طرأت على الساحة العربية في السنتين الماضيتين. وهي حالة أفادت منها دون شك دول الخليج العربي في المجال الثقافي لتنافس على مركزية النشر والاهتمام بالكتاب العربي تأليفا ونشرا وتوزيعا واقتناصا للجوائز. وتدرك دور النشر العربية التي تدفع بالكتاب الخليجي الى الواجهة أن المبيع الأكثر اليوم هو في الساحة الخليجية.

كان المثقف الخليجي، إلا قلة نادرة، يعتمد على الانتشار عربيا على دور النشر العربية الشهيرة، والتي تحتل الصدارة اعلاما وانتشارا وكان أغلب الكتاب يدفعون مقابل نشر أعمالهم في تلك الدور بحجة أن القراء لا يقبلون كثيرا على الأدب الخليجي وأن مبيعاته محصورة في بلدانهم وبين أوساطهم وهي أوساط لا تقرأ. وهي حجة مبالغ فيها كثيرا وذلك لانتشار الكتاب الخليجي في الوسط العربي وان لم يكن بذلك الانتشار الطموح.

الحال يتغير اليوم ويحتل الكاتب الخليجي مكانة تؤهله لأن تتعامل معه دور النشر العربي كما تتعامل مع بقية الكتاب العرب. وأكثر من ذلك أن تضمن له حقوقه المادية لأسباب أهمها أن ارتفاع معدل مبيعات الكاتب الخليجي في دول الخليج، على الأقل، أكثر من مبيعات كتاب عرب آخرين. فالسوق الرائجة للكتاب العربي اليوم هي السوق الخليجية ومعارض الكتاب في الخليج بعد تراجع معارض أكثر العواصم لظروفها السياسية المرتبكة.

ما تجاهلته المؤسسات الثقافية الخليجية الخاصة هو عدم قدرتها على خلق أجواء نشر صحية تنافس الدور العربية وتستقطب كتابا عربا قبل استقطاب كتاب الخليج. ولجوء الكاتب الخليجي الى ذات الدور العربية اليوم سببه عدم ثقة الكاتب بقدرة الدور الخليجية في منافسة التاريخ الطويل للدور العربية. أو لانعدام تواجد الدور الخليجية واقتصار دورها على الوكالات العربية والاهتمام بما يقبل عليه العامة في قراءاتهم من كتب تهتم بما هو دون الطموح الثقافي الأكبر.

الأسماء الخليجية التي خرجت للساحة في السنوات الأخيرة أسماء مبشرة بحركة أدبية ونقدية. والشعر والرواية على سبيل المثال يقدم أصواتا متميزة تعاني الافتقار الى العمل الجماعي الذي يؤسس لحركة نشر مواكبة لهذه الحركة الثقافية الجميلة في دول الخليج.

لا شك أننا نقدر أن رأس المال الذي يستثمر في النشر الثقافي لا يتوقع المردود المادي الذي يوازي مشاريع أخرى غير ثقافية، وأغلب دور النشر الجادة محاولات شخصية لكتاب وشعراء لا يمتلكون القدرة على منافسة الدور الكبرى ويحتاجون لمزيد من الصبر وقدرة خارقة على الاحتمال لضمان بقائهم. لكننا أيضا نعلم أن الكثير من المخلصين في الخليج يرغبون برؤية عواصمنا الخليجية منارات ثقافية ليست بديلة لزميلاتها العربية وانما منافسة لها وهو حق في التنافس المكمل للعمل الثقافي العربي.

أغلب كتابنا الخليجيين ان لم يكن جميعهم يدفعون لطبع أعمالهم دون مردود حقيقي سوى بعض النسخ التي يستلمها الكاتب مقابل ما دفع. وهي حالة لا تختلف سواء كان الناشر عربيا أو خليجيا. والحاجة الى دور نشر خاصة مؤمنة بانتشار الأعمال المميزة في كل بلد خليجي حاجة ملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى.

الشباب الذين يقدمون كل ما يستطيعون ابداعيا وتتجاهلهم المؤسسة الرسمية يستحقون أن يلتفت اليهم القطاع الخاص بجزء بسيط من امكاناته. والأسماء الأكثر انتاجا وتوزيعا هم هؤلاء الكتاب الذين ما زالوا يعانون في نشر كل عمل. وهم لا يطمحون للعيش على ايرادات كتبهم وانما لعدم استغلالهم.

back to top