يلفت الروائي يوسف القعيد إلى أن الكتابة عن الحروب تحتاج من الأديب إلى معايشة لأحداثها وتأثيرها على المستوى السياسي والاجتماعي، وليس شرطاً أن يكون من معاصريها، مثل ملحمة {الحرب والسلام} للأديب الروسي تولستوي، وتناولت الحروب في أوروبا خلال 15 عاماً، وغزو نابليون لروسيا.

Ad

ويوضح القعيد أنه كتب روايته {الحرب في مصر}، وتدور أحداثها في قرية مصرية قبل حرب أكتوبر 1973، وتجسد  مأساة عائلة فقيرة فقدت ابنها الشهيد،  بسبب التزوير في أوراق رسمية، والتحاقه بالخدمة العسكرية بدلاً من ابن عمدة القرية.  

حازت {الحرب في بر مصر} المرتبة الرابعة ضمن أفضل مئة رواية عربية، وتحولت إلى فيلم سينمائي بعنوان {المواطن مصري} قام ببطولته عمر الشريف وعزت العلايلي، وكتب السيناريو الراحل محسن زايد، وأخرجه الراحل صلاح أبو سيف.  

تراوح الخطاب الأدبي عن حرب أكتوبر بين المعايشة الميدانية والانفعالات الوجدانية، واعتبر كثير من الروائيين والشعراء أن الحدث لا يحتمل الخيال، ومقاربته لا بد من أن تكون واقعية، ومعبرة بصدق عن بطولات من حققوا الانتصار، ومن استشهدوا فداء لوطنهم وأمتهم.

الروائي جمال الغيطاني صاحب تجربة فريدة، وذلك أثناء عمله كمراسل حربي لجريدة {الأخبار} المصرية أيام حرب الاستنزاف، وعايش أجواء المعارك والبطولات، وكتب كثيراً من القصص والروايات من خلال وقائع حقيقية، أبرزها: {أرض أرض، حكايات الغريب، الرفاعي}.

وعبر الغيطاني من خلال إبداعه عن ملاحم بطولية في أتون المعارك، وتعد روايته {الرفاعي} وثيقة أدبية نادرة، وتحكي قصة البطل الشهيد إبراهيم الرفاعي: {جاء إلى الدنيا ليقاتل عن كل الذين مرَّ بهم وعرفهم أو مشوا معه وحاوروه في تلك القرى والمدن}.

يلفت النقاد إلى أن الكتابة عن الحروب والمعارك تتطلب موهبة متفردة وقدرة على رصد التفاصيل الإنسانية وتناغمها مع الحدث بمعطياته السياسية والاجتماعية،  وتأثيره على حياة الشعوب العامة والخاصة، وأن حرب أكتوبر ما زالت بحاجة إلى مزيد من الإبداعات، وتواصل الأجيال مع الأحدث الاستثنائية في تاريخ الأمة العربية.

وقد آثر بعض الكتاب الكبار أن يعايشوا حرب أكتوبر آنذاك عبر وسائل الإعلام، ولم تلهمهم المسافة الآمنة بين القذائف والأوراق، سوى حماسة بلاغية لا ترقى في مجملها إلى الحدث الكبير، وأن تصبح إبداعاً خالداً.

لحظات استثنائية

تجربة أخرى يرويها الأديب فؤاد حجازي الذي عاش الأسر، وكتب روايته {الأسرى يقيمون المتاريس}، وكيف عاش الجنود تلك الفترة القاسية انتظاراً للعودة إلى الوطن.

يقول حجازي إن الكتابة عن الحرب تعني لحظات استثنائية تحتم على الأديب معايشتها، وإلا سيصبح التعبير عنها ضرباً من الخيال، وقد حفزتني تجربتا الحرب والأسر أن أكتب عن تلك اللحظات الفارقة بأسلوب تسجيلي يلتقط الأحداث كما وقعت فعلاً.

وثمة تجارب قصصية أخرى كثيرة عن حرب أكتوبر، كتبها أدباء شاركوا في أتون معاركها، مثل الأديب الراحل إبراهيم العشري الذي أصيب في الحرب، وكتب كثيراً من القصص عن تجربته، مثل قصته {أعمار الجند القصيرة}.

 وكتب القاص الراحل حسن علبة  قصته {الدخان يكسو غابة البرتقال}، وعكس خلالها مشاعر جندي يتذكر جلسات العائلة في موعد الإفطار في شهر رمضان، ليفيق على الغارات الجوية، ويندفع بقوته لتنفيذ مهامه في الدفاع عن الوطن.

وتحمل تجربة الأديب والباحث السيد نجم اهتماماً خاصاً بأدب الحرب، حيث كتب كثيراً من القصص مثل مجموعته {أوراق مقاتل قديم}، فضلاً عن دراساته المهمة، {الحرب: الفكرة – التجربة – الإبداع}، {المقاومة والحرب في الرواية العربية}.

وجوه على الشط

تدافعت قصائد الشعراء لمواكبة حدث أكتوبر، وكتب الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور قصيدته الاحتفائية {إلى أول جندي رفع العلم}:

تمليناك حين أهل فوق الشاشة البيضاء

وجهك يلثم العلما

وترفعه يداك

لكي يحلق في مدار الشمس

حر الوجه مقتحما

وكتب الشاعر عبد الرحمن الأبنودي قصائد وطنية عدة، وعايش وقائع حرب الاستنزاف، وذهب إلى مدن القناة ليلتقط حكايات وتفاصيل إنسانية شديدة الثراء، ويصوغها شعراً في ديوانه {وجوه على الشط}.

ويعد {وجوه على الشط} وثيقة فنية نادرة عن صلابة الإنسان العربي في زمن الحروب، ومن خلال دراما شعرية بطلها {إبراهيم أبو العيون}، وزوجته {أم علي}، وسرد وقائع الحياة الصعبة، والتعايش الجسور لعائلة مصرية في فضاء القذائف والنيران.

وتجسد تجربة الشاعر الشهير الكابتن غزالي ابن مدينة السويس، فصلا من فصول الإبداع المقاوم، حيث رفض مغادرة مدينته الباسلة، وأبدع قصائده في أجواء الخطر وتحت القصف المدوي، وتناقلت أشعاره على ألسنة الجنود وشباب المقاومة في حربي 1967، و1973.