الدفاع الحربي وأرباحه
على جانب أحد التلال المطلة على مدينة غازي عينتاب التركية، تسهر قاذفات صواريخ باتريوت على الحراسة تحت قيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وسيطرته. وهذه بطارية واحدة من ست بطاريات باتريوت من ثلاث دول حليفة- ألمانيا وهولندا والولايات المتحدة- توفر الحماية لملايين الناس على طول الحدود الجنوبية الشرقية التركية مع سورية. ويبين نشر الصواريخ على هذا النحو التزام حلف شمال الأطلسي بمهمته الأساسية: الحفاظ على أمن أعضائه. كما يؤكد هذا أيضاً على عدم وجود بديل للردع الفعال والدفاع عندما تندلع أزمة ما. إن كل يوم تقريباً يحمل معه دليلاً جديداً على أن قوس الأزمة- من الإرهاب وانتشار الأسلحة إلى الهجمات السيبرانية والقرصنة- يمتد من الشرق الأوسط ومنطقة الساحل في إفريقيا إلى آسيا الوسطى. ولن تختفي هذه المخاطر في حين يركز أعضاء حلف شمال الأطلسي على تصحيح أوضاعهم المالية. والواقع أن أسلوب حياتنا يستند إلى الأمن والاستقرار، اللذين بدونهما ينحسر الاستثمار، وتنهار جهود تشغيل العمالة، وتنكمش الاقتصادات.وفي هذه الأوقات الاقتصادية العصيبة، ندرك جميعاً تمام الإدراك أن الأمن لا يأتي بلا ثمن. ولكن لا ينبغي لنا أن ننسى أن التكاليف المترتبة على انعدام الأمن غير مقبولة. والدفاع هو سياستنا الأساسية لضمان الأمن في عالم معقد ومتقلب.
إن الصراعات تفضي إلى خسائر بشرية هائلة، في حين تفرض جهود استعادة السلام ودعم عمليات إعادة البناء تكاليف باهظة. على سبيل المثال، تُقَدَّر تكاليف حروب البلقان في تسعينيات القرن العشرين بنحو 150 مليار دولار. واليوم لا يزال حلف شمال الأطلسي حريصاً على الحفاظ على بيئة آمنة ومطمئنة لكل الناس في كوسوفو، ويساعد في تقدم المنطقة بأسرها على طريق التكامل الأوروبي الأطلسي.وتشكل القرصنة مثالاً آخر، فهي قادرة على تهديد طرق التجارة والطاقة الحيوية. وتُقَدَّر تكاليف القرصنة الإجمالية قبالة سواحل الصومال في عام 2011 بنحو 7 مليارات دولار، لكن بفضل الجهود الدولية المتضافرة، بما في ذلك الاستعانة بسفن حلف شمال الأطلسي، تراجعت هجمات القراصنة بشكل حاد. ورغم أن الوضع يظل متقلباً، فإن القراصنة الذين يمارسون أنشطتهم قبالة سواحل القرن الإفريقي فشلوا في شن هجماتهم ضد السفن التجارية.وأخيراً، شهدنا الهجمات السيبرانية التي لم تستهدف المواقع على الإنترنت فحسب، بل وبلدان بالكامل، مثل استونيا حليفة منظمة حلف شمال الأطلسي في عام 2007. فقد تعرضت مؤسسة الرئاسة، والبرلمان، والوزارات الحكومية، والأحزاب السياسية، والمؤسسات الإخبارية، والبنوك، وشركات الاتصالات لهجمات شديدة. واليوم، كجزء من جهودنا المتواصلة لتحسين أمن شبكات الدول الأعضاء، تستضيف مدينة تالين، عاصمة استونيا، مركزاً متميزاً تابعاً لحلف شمال الأطلسي للدفاع السيبراني.وتبين هذه الأمثلة ضرورة الاعتماد على القوة الخشنة والقوة الناعمة في نفس الوقت. فلكي نعمل بفعالية فإننا نحتاج إلى القوتين. وعندما نتعامل مع التحديات الأمنية الدولية، فإن الدبلوماسية تظل الأداة الرئيسية؛ ولكن من خلال الاستثمار في الدفاع، يصبح بوسعنا دعم بياناتنا بالقوة العسكرية وتحسين قدرتنا على التصدي للتحديات بنجاح. وهو أيضاً استثمار في أكثر صناعاتنا المتطورة إبداعاً وتقدماً من الناحية التكنولوجية. والواقع أن برامج البحث التي تقودها الصناعات الدفاعية عملت على تغيير حياتنا بالفعل، فمنحتنا المحركات النفاثة، وشبكة الإنترنت، وملاحة الأقمار الصناعية. وفي المستقبل سيصبح بوسع التكنولوجيا المتطورة المستخدمة في الاستطلاع الجوي العسكري أن تزودنا بفوائد مدنية هائلة، على سبيل المثال، المساعدة في التحكم في حركة المرور وتخفيف حدة الازدحام، والمساعدة في إرسال فرق الإنقاذ والمساعدات الإنسانية.لقد تراكمت الخبرات في القطاعات الدفاعية على مدى أجيال. ومثلها كمثل أي صناعة أخرى عالية التقنية فإنها تتطور بشكل مطّرد وثابت. وإذا أفرطنا في خفض الإنفاق الدفاعي، لفترة أطول مما ينبغي، فإننا بهذا نضحي بهذه الخبرات التي اكتسبناها بالجهد والعرق، والتي سيكون من المستحيل تجديدها بسرعة عندما نكون في أشد الحاجة إليها.ويساعد الدفاع القوي أيضاً في ضمان تقاسم الفوائد المترتبة على الأمن عبر البلدان المختلفة. وتجسد منظمة حلف شمال الأطلسي ذاتها هذا الهدف. ذلك أن الدول الأعضاء الثماني والعشرين في الحلف تتمتع معاً بقدر من الأمن أعظم من ذلك الذي قد تتمكن أي دولة بمفردها من تحقيقه. وفي حين يساعدها هذا في الدفاع عن مصالحها الخاصة بشكل أكثر فعالية، فإنه يسمح لها أيضاً بالاضطلاع بدور أكثر نشاطاً وفعالية في إدارة الأزمات الدولية، مثل حماية المدنيين في ليبيا في عام 2011.وعلى هذا، فإن الاستثمار في الدفاع هو أيضاً استثمار في الأمن والاستقرار، والدبلوماسية والتعاون، والتكنولوجيا والإبداع. إنه في الواقع استثمار في مستقبل أكثر أماناً وازدهاراً من أجل أوطاننا ومن أجل بقية العالم. ورغم أن ميزانيات الدفاع تتعرض اليوم لضغوط شديدة بسبب تدابير التقشف، فمن الأهمية بمكان أن تحافظ دول حلف شمال الأطلسي على مسار الإنفاق الدفاعي الحالي، وأن تكون على استعداد لزيادته عندما تتعافى اقتصاداتها. إن القرارات التي نتخذها بشأن الدفاع اليوم ستخلف تأثيراً عميقاً على أمن أبنائنا غداً.* أندرس فوغ راسموسين ، الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»