في أسبوع واحد، أمر القائد الكوري الشمالي الجديد كيم يونغ أون جيشه بالاستعداد لتوجيه ضربة صاروخية إلى الولايات المتحدة، أعلن أن بلده في حالة حرب مع كوريا الجنوبية، وقطع خط الهاتف الأخير الذي يُستخدَم لتنظيم عملية عبور العمال الكوريين الجنوبيين الحدود لدخول مجمع كايسونغ الصناعي. أصاب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حين حذّر من أن المشكلة تكمن في أن هذه الخطوات ليست مجرد مناورات كاذبة، فمع إرسال وزارة الدفاع الأميركية طائرتَي شبح من طراز B-2 للتدرب على رمي القنابل فوق شبه الجزيرة الكورية ومواصلة التمرينات العسكرية المشتركة، ثمة خطر كبير أن يندلع صراع مسلح بين الكوريتَين الشمالية والجنوبية.
لا شكّ أن خطر شن هجوم صاروخي طويل المدى على هاواي أو غوام ضئيل، لكن نقطة التصادم الأكثر احتمالاً بين الكوريتين لا تبدو بعيدة إلى هذا الحد، فقد أصبح الخط الفاصل بين الشمال والجنوب، هذا الخط الذي اتفقتا عليها خلال هدنة عام 1953، مبهماً في البحر. لذلك قامت كوريا الجنوبية بمفردها برسم "خط حدود شمالي" شمل عدداً من الجزر، إلا أن كوريا الشمالية لم تعترف بهذا الخط مطلقاً. لذلك عمدت كوريا الشمالية في هذه المياه إلى إغراق السفينة الكورية الجنوبية "شيونان" عام 2010، وإعلان أن التمارين العسكرية الكورية الجنوبية تشكّل غزواً للمياه الإقليمية الكورية الشمالية، وقصف جزيرة يونبيونغ قبل ثلاثة أشهر، وخلال الشهر الماضي، نقلت بيونغ يانغ مدفعية طويلة المدى وقاذفات صواريخ إلى مواقع متقدمة في الجهة المقابلة لجزيرة باينغنيونغدو. ووجهها كيم يونغ أون لتفجير مقر لواء البحرية السادس في كوريا الجنوبية.وكي لا يسيء أحد فهم الرسالة، كان كيم يونغ أون برفقة الجنرال الذي قاد الهجوم على "شيونان" وجزيرة يونبيونغ، ليست هذه مجرد مناورة خادعة أو صور مركبة بواسطة برنامج فوتوشوب لإنزالات برمائية، فخطر القصف حقيقي، وإن حدث ذلك، يغدو خطر التصعيد حقيقياً أيضاً، بما أن من واجب الرئيسة الكورية الجنوبية بارك كون هيه الردّ على هذه الأعمال الاستفزازية، فمن المنطقي التفكير في أن كوريا الشمالية ستزداد جرأة إن لم يكن الهجوم المضاد قاسياً كفاية، سبق أن اندلعت الصدامات في هذه المنطقة لأن الجانبين اعتبرا في الماضي أن من الممكن احتواءها، لكن الخطر يكمن راهناً في أن يقوم القائد الكوري الشمالي، الذي يبالغ في الثقة بنفسه ويفتقر إلى الخبرة الضرورية، بتخطي الخط الأحمر ويخطئ في حساباته في سعيه إلى نيل دعم جيشه.لا تبدو الصورة الأكبر أكثر إشراقاً أيضاً. ترتكز الاتفاقات، التي توصل إليها بيل كلينتون وجورج بوش الابن مع كوريا الشمالية في عامَي 1994 و2005، على أن الولايات المتحدة تقدّم لها المال، والطعام، والاعتراف السياسي مقابل تعليقها برنامجها النووي والتخلص من الأسلحة النووية في النهاية. لربما تريد كوريا الشمالية الشرعية وتوقيع معاهدة سلام مع الولايات المتحدة، ولكن بات من الواضح اليوم أنها لن تتخلى عن أسلحتها النووية من أجل بلوغ هذه الأهداف. على العكس، أظهر إعلان اللجنة المركزية في حزب العمال أخيراً أن كوريا الشمالية تعتبر الأسلحة النووية وسيلة لضمان "حياة الأمة"، وتؤكد أنها لن تستبدلها بالأموال الأميركية. ويقرّ معظم المحللين الغربيين أن هذه الأسلحة ورقة الشمال الوحيدة. وإذا لم تحقق المراحل المتقطعة من التفاوض مع الولايات المتحدة نتيجة حقيقية، فمن المستبعد أن ينجح "صبر باراك أوباما الاستراتيجي". كذلك يشكل الاعتماد على عقوبات الأمم المتحدة، التي تدعمها روسيا والصين، رهاناً خاسراً أيضاً.آن الأوان لإعادة النظر في الاستراتيجية المعتمدة، ومن الواضح أن التمارين العسكرية المشتركة تعكر الأجواء، لذلك يشكل عدم اتخاذ أي خطوة من دون التخلي عن الجاهزية العسكرية (من الممكن، مثلاً، إجراء التمارين في مكان آخر) خياراً أفضل من الردّ بالمثل على ألعاب بيونغ يانغ الحربية. لم يحظَ كيم يونغ أون بالوقت الكافي ليُثبت نفسه قبل وفاة والده، ولا شك أن الأزمة قد تدفعه بنجاح إلى تأدية دور الزعيم العسكري الوطني، ولكن إن كان التوتر الإقليمي يساعده في سد الفراغ في سيرته الذاتية ويعزز مكانته، فهو ينعكس سلباً على الاقتصاد المتقدم والمزدهر في كوريا الجنوبية واليابان. ولربما حان الوقت أيضاً لإعادة التفكير في هدف إرغام كوريا الشمالية على التخلي عن أسلحتها النووية قبل عقد معاهدة سلام معها، فقد آن الأوان لتبديل ترتيب الأحداث والجدول الزمني.
مقالات
كوريا الشمالية... ضرورة إعادة النظر!
04-04-2013