خلال أيام قليلة ماضية، انعقد في المنامة عاصمة مملكة البحرين الاجتماع الثاني لـ"ملتقى الحوار العربي-التركي" الذي يضم عدداً من الفعاليات السياسية والإعلامية والثقافية العربية والتركية، وعلى هامش الاجتماعات التي تواصلت على مدى يومين متتاليين جرت نقاشات تميزت ببعض السخونة في بعض الأحيان حول تجربة رجب طيب أردوغان و"إخوته"!، والدور الذي من الممكن أن تلعبه هذه التجربة في هذه المنطقة التي حلَّ فيها هذا "الربيع العربي" العاصف الذي أطاح رؤوساً وأنظمة ولاتزال ارتداداته التغييرية مفتوحة على احتمالات كثيرة.
كان رأي العرب في هذا الحوار أنْ لا عودة للتجربة العثمانية، التي استمرت أربعة قرون والبعض يقول بل ستة قرون، لا في هيئتها السابقة التي لا أعادها الله ولا في نسخة جديدة محسنة ومطورة تتلاءم مع واقع القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة، وكان رأي الأخوة الأتراك أنه لا رجعة إطلاقاً للعثمانيين ولا للسلاجقة، وأن "زمن أوَّل حوَّل"، وأن هذا العصر هو عصر المصالح المشتركة وعصر التكتلات الإقليمية بين دول مستقلة وبين شعوب صديقة لكل شعب منها خصوصياته وهويته الوطنية التي لا تنازل عنها ولا يجوز المس بها تحت أي اعتبار وأيِّ مبرر.إنَّ هذه مسألة وأما المسألة الأخرى، التي كان حولها أخذٌ وردٌّ والتي كان لـ"الأشقاء" الأتراك الشركاء في ملتقى الحوار العربي-التركي فيها وجهة نظر مرتبكة، فهي مسألة علاقات حزب رجب طيب أردوغان وزملائه، حزب العدالة والتنمية، بتنظيمات "الإخوان المسلمين" في مصر وتونس والمغرب والأردن والكويت وباقي الدول العربية، وعلاقتهم بحركة "حماس" التي وإنْ هي اتخذت هذا الاسم فإنها أحد التنظيمات الإخوانية، وإن كل قادتها قد أقسموا على الطاعة والولاء للمرشد الأعلى لهذه الجماعة التي تشكلت في مصر في عام 1928 ثم انتشرت في المنطقة العربية وفي الدول الإسلامية وأيضاً في دنيا الله الواسعة.وحقيقة أننا لاحظنا خلال احتدام الحوار والنقاش حول هذه المسألة، التي هي في غاية الأهمية، أن الأشقاء الأتراك ليسوا واضحين الوضوح الذي نريده تجاه هذا الأمر، وأنَّ بعضهم بدا وكأنه لا يعرف الفرق بين الإسلام كدين عظيم، من المفترض أن يكون منزهاً عن التعصب والألاعيب والمناورات والمصالح السياسية، وبين حزب سياسيٍّ كان يتسمى باسم "جماعة" لا يتورع عن البطش حتى بمن "يخرج" عليه من قادته وأعضائه، ولا يتردد في استخدام حتى سلاح الاغتيالات ضد من يصطدمون به ويصطدم بهم، وبخاصة إنْ شكل هذا خطراً فعلياً عليهم، وهناك أمثلة كثيرة من بينها اغتيال النقراشي باشا في تلك الحادثة المعروفة.لقد قلنا لأصدقائنا وأشقائنا الأتراك إن أكبر خطأ يرتكبه رجب طيب أردوغان هو أنْ يُدخِلَ تركيا، التي غدت بالنسبة لغالبية العرب المثل الذي يجب أن يحتذى ليس بسبب المسلسلات الدرامية بل بسبب النهج الديمقراطي والسياسي التي باتت تسير عليه منذ أكثر من عشرة أعوام، فأصبحت على ما هي عليه اقتصادياً وسياسياً وعلاقات إقليمية ودولية، في محور الإخوان المسلمين الذي يتبادل المصالح والمنافع الآنية مع دول عربية تسعى إلى حجم أكبر من حجمها الموضوعي وتسعى إلى نفوذ لا تتمتع به إلا الدول التي لديها مقومات غير مجرد الكفاءة المالية الريعية.إنه خطأ قاتل يجب ألا يرتكبه رجب طيب أردوغان وأشقاؤه وحزبه، فالمفترض ألا تحشر تركيا التي وجدت أن رهانها الاستراتيجي الاقتصادي والسياسي هو نحو الجنوب وعلى هذه المنطقة العربية بكل مكوناتها السياسية والاجتماعية وليس على حزبٍ اشتهر بأفقه المحدود، ودلَّت تجربة مصر بعد إطاحة حسني مبارك ونظامه أنه رغم أن عمره قد تجاوز خمسة وثمانين عاماً لايزال لم يبلغ سن الرشد بعد ولايزال غير قادر على مزاولة الحكم والسلطة، ولهذا فإننا سنبقى نتمسك بأنه على الأخوة الأتراك أن يبتعدوا عن سياسة المحاور هذه، وأن عليهم ألا يحشروا هذا البلد العظيم والكبير في الزاوية الإخوانية الضيقة، وبخاصة أنَّ العرب بغالبيتهم إنْ ليس كلهم يريدونه، أي هذا البلد، ولكن بدون عثمانية قديمة ولا عثمانية جديدة، وعلى أساس التكامل والمصالح المشتركة.
أخر كلام
أردوغان والانحياز الخطأ!
05-04-2013