الأسد يستميل اليمين الأميركي ويفوز في معركة الحرب الإعلامية
أعاد الموقع الإلكتروني Jihad Watch، الذي يديره أحد أبرز مَن يعانون فوبيا الإسلام، روبرت سبنسر، ما ادعاه الموقع الإلكتروني العربي «الحدث» عن أن الثوار السوريين هاجموا بلدة معلولا «وهددوا المسيحيين بالانتقام منهم بعد انتصار الثورة». لا تحتاج إلى قراءة الكثير من محتوى موقع «الحدث» لتدرك أنه من أشد الموالين لنظام الأسد.
حتى قبل أن يعلق الرئيس باراك أوباما خططه لضرب النظام السوري، كان يخسر معركة الرأي العام بشأن التدخل العسكري. ولا شك في أن جزءاً من الفضل يعود إلى الحملة الإعلامية الناجحة التي شنها نظام الرئيس السوري بشار الأسد وداعموه. ففي مقابلة بُثت يوم الاثنين الماضي، روج الأسد نفسه لقضيته خلال حواره مع تشارلي روز، قائلا إن الولايات المتحدة لم تقدم "دليلاً واحداً" يؤكد أن الجيش السوري استخدم أسلحة كيماوية.لطالما نجح الأسد في التملص بمهارة من انتقادات الصحافيين الغربيين لنظامه، حتى إنه حظي أحياناً بتغطية دولية إيجابية. قبل الانتفاضة، اعتادت وسائل الإعلام الأميركية وصف أفراد عائلة الأسد بأنهم قادة ميالون إلى الغرب يحاولون إدخال بلدهم إلى القرن الحادي والعشرين. ولعل المثال الأبرز لذلك اعتبار مجلة Vogue السيدة الأولى السورية أسماء الأسد "امرأة جميلة نحيلة طويلة القد تملك عقلية تحليلية مدربة... فضلاً عن معدل ذكاء مبهر". ولكن حتى الخبراء في هذا المجال جاروا هذه الموجة: كتب المؤرخ المتخصص في شؤون الشرق الأوسط ديفيد ليش في سيرة حياة بشار الأسد أن الرئيس رجل عصري يسعى وراء التجديد والتحديث، قبل أن يبدل رأيه مع انطلاق الانتفاضة.
وضعت مجازر السنتين الماضيتين نهاية لهذا المديح. إلا أن وسائل الإعلام الموالية للأسد عثرت اليوم على طريقة جديدة للتأثير في المناظرة الأميركية. فقد عمد المعلقون اليمينيون في الولايات المتحدة مراراً إلى إعادة نشر ادعاءات داعمي الأسد من دون التشكيك فيها، علماً أن هؤلاء المعلقين يشاطرونهم كرههم للإسلاميين السنّة وإدارة الأسد. ولا شك في أن هذا تحالفٌ غريبٌ بين المحافظين الأميركيين وبلد كان من بين أولى الدول التي صنفتها الولايات المتحدة راعية للإرهاب، فضلا عن أنه لا يزال يتعامل مع إيران و"حزب الله".على سبيل المثال، قال مقدم البرامج المحافظ راش ليمبو لمستمعيه في الثالث من سبتمبر: "تتراكم الأدلة التي تُظهر أن الثوار في سورية يحاولون إلصاق تهمة شن اعتداء كيماوي بالأسد. ولا يقف الأمر عند هذا الحد. فقد يكون أوباما وحكومته متورطين في هذه المسألة. تكثر الأدلة التي تكشف أن البيت الأبيض كان على اطلاع على خطة تنفيذ المعارضة اعتداء بالأسلحة الكيماوية في سورية وربما ساهم فيها".أشار ليمبو إلى مقال ليوسف بودانسكي نُشر في Global Research، موقع إلكترونية لا ينفك يتحدث عن مؤامرات ويروج للرسالة الموالية للأسد خلال الأزمة الراهنة. يسأل بودانسكي: "كيف يُعقل أن تواصل إدارة أوباما دعمها المعارضة وتسعى لتمكينها، علماً أن هذه المعارضة قتلت عمداً نحو 1300 مدني بريء؟".بودانسكي حليف عم بشار، رفعت الأسد. وقد روج له كقائد سورية المقبل عام 2005. يُعتبر رفعت منبوذاً في عائلة الأسد. فمع أنه قاد حملة القمع العنيفة التي أطلقها النظام السوري ضد جماعة "الإخوان المسلمين" في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، أُرغم بعد ذلك على العيش في المنفى لأنه حاول الإطاحة بأخيه الرئيس حافظ الأسد عام 1983. ولكن رغم نفيه، يرفض رفعت، كما سائر أفراد عائلة الأسد، تسلم الإسلاميين السنّة زمام السلطة في سورية، موقف يشاركه فيه بودانسكي على ما يبدو. فقد كتب هذا الأخير في موقع إلكتروني آخر موالٍ للأسد أن إنهاء الحكم العلوي في سورية "سيؤدي إلى انتفاضة واسعة النطاق في أرجاء الشرق الأوسط الكبير المختلفة".ساهمت الأصوات الموالية للأسد أيضاً في صوغ المناظرة في أوروبا. لا تتألف المنظمة البريطانية Stop the War (أوقفوا الحرب)، التي لعبت دوراً كبيراً في إقناع البرلمان برفض توجيه ضربة إلى سورية، من أشخاص يعارضون التدخل فحسب، بل تشمل أيضاً داعمين متشددين لنظام الأسد. فنائب رئيس هذه المنظمة ستاليني يثني على عائلة الأسد "وتاريخها الطويل في مقاومة الإمبريالية". وقد حذر من أن هزيمة بشار الأسد "ستمهد الطريق أمام نظام موالٍ للغرب والولايات المتحدة". وعلى نحو مماثل، تحدث مسؤولون بارزون آخرون في المنظمة علانية عن فوائد إبقاء الأسد في السلطة. تأتي وسائل الإعلام المسيحية من بين الوسائل الأكثر شيوعاً التي تتسلل من خلالها الدعاية الموالية للأسد إلى الصحف المحترمة. لا شك في أن المسيحيين محقون في خوفهم من استيلاء الإسلاميين على السلطة في سورية وغيرها من دول الشرق الأوسط وانعكاس ذلك عليهم. رغم ذلك، تعمد بعض وسائل الإعلام هذه، التي تغطي معاناة المسيحيين، إلى نشر معلومات غير دقيقة أو مثبتة.على سبيل المثال، عمدت وكالة أنباء الفاتيكان الرسمية Agenzia Fides إلى نقل كامل التقرير الذي نشره موقع "الحقيقة السورية" الإلكتروني الموالي للأسد عن عمليات قتل جماعي يتعرض لها المسيحيون في حمص. وقامت صحيفة لوس أنجلس تايمز بدروها بنقل هذا التقرير عنAgenzia Fides من دون أن تذكر بالتأكيد المصدر الأصلي.لا تُعتبر صحيفة لوس أنجلس تايمز الوحيدة التي خُدعت بهذه الطريقة. فقد نشرتUSA Today مقالا في مطلع هذه السنة عن أن المملكة العربية السعودية أرسلت 1200 سجين محكوم عليهم بالإعدام للقتال في سورية، مرجعة هذا الادعاء إلى وكالة الأنباء الأشورية الدولية (AINA). ولكن تبين لاحقاً أن هذا الخبر مجرد خدعة، وقد تناقلته مراراً المواقع الإلكترونية الموالية لـ"حزب الله" قبل أن تنشره وكالة الأنباء هذه. وبالإضافة إلى الاعتماد على المصادر الموالية للأسد، تستمد هذه الوكالة إلهامها من المحافظين الأميركيين. فقد أعادت نشر مقال بعنوان "خرافة الثوار السوريين المعتدلين" الذي ظهر أولاً في مجلة FrontPage اليمينية المتطرفة.ومن أكثر المناصرين لنظام الأسد شهرة وصيتاً تأتي الأم أجني ماريام دي لا كروا، التي تقول إنها راهبة كارملية ولدت في لبنان، وإنها تحولت إلى المسيحية في التاسعة عشرة من عمرها. ونقلت مجلة "ناشيونال ريفيو" دون تمحيص أو تيقن ادعاءات الأم أجني التي أوردتها العام الماضي بأن ثواراً سوريين احتجزوا مجموعة من الرهائن المسيحيين والعلويين في أحد المباني بمدينة حمص، وقاموا بتلغيم المبنى كاملاً بالديناميت وتفجيره ما نجم عنه مقتل جميع الرهائن المحتجزين. وفي تصريحات حديثة لها، اعتبرت أن الفيديو المصور الدال على حدوث هجوم كيماوي في 21 أغسطس جرى فبركته من جانب الثوار، قائلة "إنه تم تمثيله وإعداده بصورة مسبقة من أجل تشويه الحكومة السورية وتصويرها على أنها المنفذة للهجوم".لكن أعضاء الأحزاب اليمينية الأميركية لم يترددوا في نقل مزاعم وسائل الإعلام الموالية للأسد عندما يخدم ذلك مصالحهم، بغض النظر عن مصدرها. على سبيل المثال، أعاد الموقع الإلكتروني Jihad Watch، الذي يديره أحد أبرز مَن يعانون فوبيا الإسلام، روبرت سبنسر، ما ادعاه الموقع الإلكتروني العربي "الحدث" عن أن الثوار السوريين هاجموا بلدة معلولا "وهددوا المسيحيين بالانتقام منهم بعد انتصار الثورة".لا تحتاج إلى قراءة الكثير من محتوى موقع "الحدث" لتدرك أنه من أشد الموالين لنظام الأسد وحلفائه، ما يدفعه إلى تضخيم الأخبار عن جرائم الثوار. فيضم الموقع افتتاحية تثني على "حزب الله" كتبها رئيس تحريره. ويذكر مقال آخر فيه أن كاتباً أوروبياً مخطوفاً أكد أن الثوار شنوا الاعتداء الكيماوي في 21 أغسطس، علما أن الكاتب أنكر ادعاءات مماثلة.لا شك في أن وسائل الإعلام الأميركية لا تفكر مطلقاً في نقل أخبار أخرى من هذه المواقع والمنشورات. على سبيل المثال، يضم موقع "الحدث" قسماً مخصصاً لأخبار إسرائيل بعنوان "اعرف عدوك"، وهذا بالتأكيد قاسم مشترك غريب بينها وبين اليمين الأميركي.* ديفيد كينر | David Kenner