مجرد التفكير في نبش القبور يحرك كامل ما يتمتع به الإنسان من إحساس وجداني بالاشمئزاز والإنكار، وبكل تلقائية ووفق كل الثقافات البشرية منذ بدء الخليقة.

Ad

وما اقترفته جبهة النصرة في نبش قبر الصحابي الجليل حجر بن عدي يعد جريمة منكرة تعكس نمط التفكير ومستوى الشر الذي يكتنف عقول هكذا بشر وقلوبهم، وما يروجون له من معتقدات خطيرة، بغض النظر عن الظروف السياسية التي تعصف ببلاد الشام.

ورمزية الصحابي حجر بن عدي لا تقف عند كونه من الصحابة الأجلاء، وذي تاريخ حافل بالجهاد والمشاركة في الفتوحات الإسلامية، ومنها بلاد الشام ذاتها كقائد عظيم، بل كونه من أعمدة الثورة على الظلم والانتفاضة ضد حكام الجور، وبدلاً من هذا العبث الأرعن كان حرياً بأن يكون حجر بن عدي من شعارات الثورة السورية اليوم، وتبني قيمه وصيحاته الشجاعة في المطالبة بالحرية والعدالة وقول الحق في وجه إمام ظالم.

ولكن مصيبتنا في تلك العقول المتحجرة التي لا تتورع عن القتل والتنكيل لفرض ما يفهمونه عن الدين، ويجبرون الناس على العيش في قالب مظلم ومتخلف بعد اعتبار كل أشكال العصرنة والإنجازات البشرية بعمرانها وتقنيتها وانفتاحها المعلوماتي وأجواء الحريات العامة بدعاً وضلالة!

وتجربة طالبان المخزية لم تكن سوى نموذج من هكذا عقلية لم تجلب سوى الشر المطلق للبشرية والحياة المدنية على حد سواء، ولذلك لم يتحملها أي فكر إنساني معاصر في عموم أرجاء العالم، فما بالك لو تعمم هذا النموذج على مستوى واسع من العالم العربي أو الإسلامي؟!

إن انطلاقات الربيع العربي حركت مشاعر وغيرة الشعوب العربية خصوصاً فئة الشباب على كرامتهم المسحوقة باتجاه الحرية والديمقراطية كخيار نحو الازدهار والتنمية، ولم يفكر أولئك الذين أشعلوا تلك الشمعة لتقض مضاجع الظالمين والفاسدين ونهابي ثروات الأمم أن تنحرف مسارات انتفاضاتها للمزيد من الخناق على الحريات، وبث جذور الفتنة بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد؛ لتتلقفها فئة متطرفة تسعى من أجل إلحاق الدمار وإراقة الدماء لمجرد أنهم يعتقدون بشكل مختلف عن الآخرين!

وجريمة نبش قبر حجر بن عدي بدعوى الشرك وعبادة القبور لا يمكن على الإطلاق الدخول فيها في جدل علمي أو فقهي لأن بعض العقليات متحجرة إلى حد ينطبق عليه المثل "تقوله ثور يقول احلبه"!

ولذلك يجب مواجهة ومحاصرة هذا الفكر المريض، وفي سورية تحديداً من قبل جماعات المعارضة السياسية منها والمسلحة، فإذا كانت القيادات النخبوية المتنوعة في فكرها وأيديولوجيتها لا تجرؤ على وقف مهازل هذه الزمرة المريضة والانجرار خلفها في نبش الفتن الطائفية والترويج لفكر متعصب، وفي نفس الوقت متخلف، فقد تتحول هذه الثورة إلى ثوارة!